تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُدۡخِلَنَّهُمۡ فِي ٱلصَّـٰلِحِينَ} (9)

يقول تعالى آمرا عباده بالإحسان إلى الوالدين بعد الحث على التمسك بتوحيده ، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان ، ولهما عليه{[22491]} غاية الإحسان ، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق ؛ ولهذا قال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [ الإسراء : 23 ، 24 ] .

ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما ، في مقابلة إحسانهما المتقدم ، قال : { وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا } أي : وإن حَرَصا عليك أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين ، فإياك وإياهما ، لا تطعهما في ذلك ، فإن مرجعكم إلي يوم القيامة ، فأجزيك بإحسانك إليهما ، وصبرك على دينك ، وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك ، وإن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا ، فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع مَنْ أحب ، أي : حبا دينيا ؛ ولهذا قال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ } .

وقال{[22492]} الترمذي عند تفسير هذه الآية : حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سِمَاك بن حرب قال : سمعت مُصعَب بن سعد يحدث عن أبيه سعد ، قال : نزلت فيَّ أربع آيات . فذكر قصة ، وقالت أم سعد : أليس قد أمرك الله بالبر ؟ والله لا أطعَمُ طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر ، قال : فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شَجَروا فاها ، فأنزل الله{[22493]} { وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ } الآية .

وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي أيضا{[22494]} ، وقال الترمذي : حسن صحيح .


[22491]:- في أ : "إليه".
[22492]:- في ت : "وروى".
[22493]:- في ت ، ف : "فنزلت".
[22494]:- سنن الترمذي برقم (3079) والمسند (1/181) وصحيح مسلم برقم (1748) وسنن أبي داود برقم (2740).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُدۡخِلَنَّهُمۡ فِي ٱلصَّـٰلِحِينَ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنّهُمْ فِي الصّالِحِينَ } .

يقول تعالى ذكره : والّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله وعَمِلُوا الصّالِحاتِ من الأعمال ، وذلك أن يُؤَدّوا فرائض الله ، ويجتنبوا مَحارمه لَندْخِلَنّهمْ في الصّالِحِينَ في مَدْخل الصالحين ، وذلك الجنة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُدۡخِلَنَّهُمۡ فِي ٱلصَّـٰلِحِينَ} (9)

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين } في جملتهم والكمال في الصلاح منتهى درجات المؤمنين ومتمنى أنبياء الله المرسلين ، أو في مدخلهم وهو الجنة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُدۡخِلَنَّهُمۡ فِي ٱلصَّـٰلِحِينَ} (9)

ثم كرر تعالى التمثيل بحالة المؤمنين العاملين ، ليحرك النفوس إلى نيل مراتبهم ، وقوله تعالى : { لندخلنهم في الصالحين } مبالغة على معنى في الذين هم في نهاية الصلاح وأبعد غاياته وإذا تحصل للمؤمنين هذا الحكم تحصل ثمره وجزاؤه وهو الجنة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَنُدۡخِلَنَّهُمۡ فِي ٱلصَّـٰلِحِينَ} (9)

فجملة { والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لَنُدْخِلَنّهم في الصالحين } تصريح ببعض ما أفادته الكناية التي في قوله { فأنبئكم بما كنتم تعملون } ، اهتماماً بجانب جزاء المؤمنين . وقد أشير إلى شرف هذا الجزاء بأنه جزاء الصالحين الكاملين كقوله { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين } [ النساء : 69 ] ؛ ألا ترى إلى قول سليمان { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } [ النمل : 19 ] .

ومن لطيف مناسبة هذا الظرف في هذا المقام أن المؤمن لما أمر بعصيان والديه إذا أمراه بالشرك كان ذلك مما يثير بينه وبين أبويه جفاء وتفرقة فجعل الله جزاءً عن وحشة تلك التفرقة أُنساً بجعله في عداد الصالحين يأنس بهم .