وذُكر أنه لما أتى الرسل سألهم : هل يطلبون على ما جاءوا به أجرا ؟ فقالت الرسل : لا ، فقال لقومه حينئذٍ : اتبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما انتهى إليهم ، يعني إلى الرسل ، قال : هل تسألون على هذا من أجر ؟ قالوا : لا ، فقال عند ذلك : يا قَوْمِ اتّبِعُوا المُرْسَلِينَ اتّبِعوا مَنْ لا يَسأَلُكُمْ أجْرا وَهُمْ مُهْتَدُونَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فيما بلغه ، عن ابن عباس ، وعن كعب الأحبار ، وعن وهب بن منبه اتّبِعُوا مَنْ لا يَسألُكُمْ أجْرا وَهُمْ مُهْتَدُونَ : أي لا يسألونكم أموالكم على ما جاؤوكم به من الهدى ، وهم لكم ناصحون ، فاتبعوهم تهتدوا بهداهم .
وقوله : وَهُمْ مُهْتَدُونَ يقول : وهم على استقامة من طريق الحقّ ، فاهتدوا أيها القوم بهداهم .
ثم احتج عليهم بقوله { اتبعوا من لا يسألكم أجراً } وهم على هدى من الله .
قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية حاكمة بنقص من يأخذ على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة كالصلاة ونحوها ، فإنها كالتبليغ لمن بعث بخلاف ما لا يلزمه كالإمارة والقضاء ، وقد ارتزق أبو بكر الصديق رضي الله عنه وروي عن أبي مجلز وكعب الأحبار وابن عباس أن اسم هذا الرجل حبيب وكان نجاراً وكان فيما قال وهب بن منبه قد تجذم ، فقيل : كان في غار يعبد ربه ، وقال ابن أبي ليلى : سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة علي بن أبي طالب وصاحب ياسين ومؤمن آل فرعون ، وذكر الناس من أسماء الرسل صادق وصدوق وشلوم وغير هذا والصحة معدومة فاختصرته .
وجملة { اتبعوا من لا يسألكم أجراً } مؤكدة لجملة { اتبعوا المرسلين } مع زيادة الإِيماء إلى علة اتّباعهم بلوائح علامات الصدق والنصح على رسالتهم إذ هم يَدْعُون إلى هُدى ولا نفع ينجرّ لهم من ذلك فتمحّضت دعوتهم لقصد هداية المرسَل إليهم ، وهذه كلمة حكمة جامعة ، أي اتبعوا من لا تخسرون معهم شيئاً من دنياكم وتربحون صحة دينكم .
وإنما قدم في الصلة عدم سؤال الأجر على الاهتداء لأن القوم كانوا في شك من صدق المرسلين وكان من دواعي تكذيبهم اتّهامهم بأنهم يجرّون لأنفسهم نفعاً من ذلك لأن القوم لما غلب عليهم التعلق بحب المال وصاروا بعداء عن إدراك المقاصد السامية كانوا يَعُدّون كل سعي يلوح على امرىء إنما يسعى به إلى نفعه . فقدم ما يزيل عنهم هذه الاسترابة وليَتهَيّؤوا إلى التأمل فيما يدعونهم إليه ، ولأن هذا من قبيل التخلية بالنسبة للمرسلين والمرسل إليهم ، والتخلية تُقدَّم على التحلية ، فكانت جملة { لا يسألكم أجراً } أهم في صلة الموصول .
والأجر يصدق بكل نفع دنيوي يحصل لأحد من عمله فيشمل المال والجاه والرئاسة . فلما نفي عنهم أن يسألوا أجراً فقد نفي عنهم أن يكونوا يرمون من دعوتهم إلى نفع دنيوي يحصل لهم .
وبعد ذلك تهيّأ الموقع لجملة { وهُم مهتدون } ، أي وهم متّصفون بالاهتداء إلى ما يأتي بالسعادة الأبدية ، وهم إنما يدعونكم إلى أن تسيروا سِيرتهم فإذا كانوا هم مهتدين فإن ما يدعونكم إليه من الاقتداء بهم دعوة إلى الهدى ، فتضمنت هذه الجملة بموقعها بعد التي قبلها ثناء على المرسلين وعلى ما يدعون إليه وترغيباً في متابعتهم .
وأعلم أن هذه الآية قد مثل بها القزويني في « الإِيضاح » و « التلخيص » للإِطناب المسمى بالإِيغال وهو أن يُوتَى بعد تمام المعنى المقصود بكلام آخر يتمّ المعنى بدونه لنكتة ، وقد تبين لك مما فسّرنا به أن قوله : { وهم مهتدون } لم يكن مجرد زيادة بل كان لتوقف الموعظة عليها ، وكان قوله : { من لا يسألكم أجراً } كالتوطئة له . ونعتذر لصاحب « التلخيص » بأن المثال يكفي فيه الفرض والتقدير .
وجاءت الجملة الأولى من الصلة فعلية منفية لأن المقصود نفي أن يحدث منهم سؤال أجر فضلاً عن دوامه وثباته ، وجاءت الجملة الثانية اسمية لإِفادة إثبات اهتدائهم ودوامه بحيث لا يخشى من يتبعهم أن يكون في وقت من الأوقات غير مهتد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.