تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (12)

ثم قال{[16350]} تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

ينبه تعالى عباده على آياته العظام ، ومننه الجسام ، في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان ، والشمس والقمر يدوران ، والنجوم الثوابت والسيارات ، في أرجاء السموات نورا وضياء لمهتدين بها في الظلمات ، وكل منها يسير في فلكه الذي جعله الله تعالى فيه ، يسير بحركة مُقدرة ، لا يزيد عليها ولا ينقص منها ، والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسييره ، كما قال : { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [ الأعراف : 54 ] ؛ ولهذا قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : لدلالات على قدرته الباهرة وسلطانه العظيم ، لقوم يعقلون عن الله ويفهمون حججه .


[16350]:في أ: "وقال".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَسَخّرَ لَكُمُ اللّيْلَ وَالْنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ومن نِعَمه عليكم أيها الناس مع التي ذكرها قبل أن سخر لكم الليل والنهار يتعاقبان عليكم ، هذا لتصرفكم في معاشكم وهذا لسكنكم فيه والشّمْسَ والقَمَرَ لمعرفة أوقات أزمنتكم وشهوركم وسنينكم وصلاح معايشكم . والنّجُومُ مُسَخّراتٌ لكم بأمر الله تجري في فلكها لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر . إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقَلُونَ يقول تعالى ذكره : إن في تسخير الله ذلك على ما سخره لدلالات واضحات لقوم يعقلون حجج الله ويفهمون عنه تنبيهه إياهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (12)

{ وسخّر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم } بأن هيأها لمنافعكم . { مُسخّرات بأمره } حال من الجميع أي نفعكم بها حال كونها مسخرات لله تعالى خلقها ودبرها كيف شاء ، أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره أو لحكمه ، وفيه إيذان بالجواب عما عسى أن يقال إن المؤثر في تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها ، فإن ذلك إن سلم فلا ريب في أنها أيضا ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجوه المحتملة ، فلا بد لها من موجد مخصص مختار واجب الوجود دفعا للدور والتسلسل ، أو مصدر ميمي جمع لاختلاف الأنواع . وقرأ حفص { والنجوم مسخرات } على الابتداء والخبر فيكون تعميما للحكم بعد تخصيصه ورفع ابن عامر " الشمس والقمر " أيضا . { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون } جمع الآية ، وذكر العقل لأنها تدل أنواعا من الدلالة ظاهرة لذوي العقول السليمة غير محوجة إلى استيفاء فكر كأحوال النبات .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتُۢ بِأَمۡرِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (12)

وقوله تعالى : { وسخر لكم الليل والنهار } الآية ، قرأ الجمهور بإعمال { سخر } في جميع ما ذكر ونصب «مسخراتٍ » على الحال المؤكدة ، كما قال تعالى : { وهو الحق مصدقاً }{[7265]} [ فاطر : 31 ] وكما قال الشاعر : [ البسيط ]

أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي{[7266]} . . . ونحو هذا وقرأ ابن عامر «والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ » برفع هذا كله ، وقرأ حفص عن عاصم «والنجومُ مسخراتٌ بأمره » بالرفع ونصب ما قبل ذلك ، والمعنى في هذه الآية أن هذه المخلوقات مسخرات على رتبة قد استمر بها انتفاع البشر من السكون بالليل والسعي في المعايش وغير ذلك بالنهار ، وأما منافع الشمس والقمر فأكثر من أن تحصى وأما النجوم فهدايات ، وبهذا الوجه عدت من جملة النعم على بني آدم ، ومن النعمة بها ضياؤها أحياناً ، قال الزجاج : وعلم عدد السنين والحساب بها .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، وقرأ ابن مسعود والأعمش وطلحة بن مصرف «والرياح مسخرات » في موضع «النجوم » ، ثم قال { إن في ذلك لآيات } لعظم الأمر لأن كل واحد مما ذكر آية في نفسه لا يشترك مع الآخر ، وقال في الآية قبل الآية لأن شيئاً واحداً يعم تلك الأربعة وهو النبات ، وكذلك في ذكر { ما ذرأ } [ النحل : 13 ] ليسارته بالإضافة ، وأيضاً ف «آية » بمعنى «آيات » واحد يراد به الجمع .


[7265]:من الآية (91) من سورة (البقرة).
[7266]:البيت لابن دارة، واسمه سالم بن دارة، ودارة أمه، سميت بذلك لجمالها، تشبيها لها بدارة القمر، واسم أبيه مسافع، و هو من نبي عبد الله بن غطفان بن قيس، والبيت بتمامه هو: أنا ابن دارة معروفا بها نسبي وهل بدارة يا للناس من عـــــــار؟ و هو في أمالي ابن الشجري 2 ـ 285، والخصائص 2 ـ 268، 317، 340، 3 ـ 60، والخزانة 1ـ553، والعيني 3ـ186، وابن يعيش 2 ـ 64، و سيبويه 2 ـ 79، والأشموني 2 ـ 185، والبيت من قصيدة يهجو بها بني فزارة، والشاهد فيه أنه نصب "معروفا" على الحال المؤكدة لجملة "أنا ابن دارة".