تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابٗا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (47)

ثم قال : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ } أي : قبل ذلك في الدار الدنيا ، كقوله : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ السجدة : 21 ] ، ولهذا قال : { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ } أي : نعذبهم في الدنيا ، ونبتليهم فيها بالمصائب ، لعلهم يرجعون وينيبون{[27526]} ، فلا يفهمون ما يراد بهم ، بل إذا جلي عنهم مما كانوا فيه ، عادوا إلى أسوأ {[27527]} ما كانوا عليه ، كما جاء في بعض الأحاديث : " إن المنافق إذا مرض وعوفي مثله في ذلك كمثل البعير ، لا يدري فيما عقلوه ولا فيما أرسلوه " {[27528]} . وفي الأثر الإلهي : كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ قال الله : يا عبدي ، كم أعافيك{[27529]} وأنت لا تدري ؟


[27526]:- (2) في أ: "ينسون"
[27527]:- (3) في أ: "أشر".
[27528]:- (4) رواه أبو داود في السنن برقم (3089) من حديث عامر الرام رضي الله عنه.
[27529]:- (5) في م، أ: "أعاقبك".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابٗا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (47)

وقوله : وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذلكَ اختلف أهل التأويل في العذاب الذي توعّد الله به هؤلاء الظلمة من دون يوم الصعقة ، فقال بعضهم : هو عذاب القبر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، قال : أخبرنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء عَذَابا دُونَ ذَلِكَ قال : عذاب القبر .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذلكَ يقول : عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، أن ابن عباس كان يقول : إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب الله وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذلكَ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، أن ابن عباس كان يقول : إن عذاب القبر في القرآن . ثم تلا وَإنّ لِلّذِينَ ظَلمُوا عَذَابا دُونَ ذلكَ .

وقال آخرون : عنى بذلك الجوع . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : عَذَابا دُونَ ذلكَ قال : الجوع .

وقال آخرون : عنى بذلك : المصائب التي تصيبهم في الدنيا من ذهاب الأموال والأولاد . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذَلكَ قال : دون الاَخرة في هذه الدنيا يعذّبهم به من ذهاب الأموال والأولاد ، قال : فهي للمؤمنين أجر وثواب عند الله ، عدا مصائبهم ومصائب هؤلاء ، عجلهم الله إياها في الدنيا ، وقرأ فَلا تُعْجِبْكَ أمْوَالُهُمْ وَلا أوْلادُهُمْ . . . إلى آخر الاَية .

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر أن للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به عذابا دون يومهم الذي فيه يصعقون ، وذلك يوم القيامة ، فعذاب القبر دون يوم القيامة ، لأنه في البرزخ ، والجوع الذي أصاب كفار قريش ، والمصائب التي تصيبهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم دون يوم القيامة ، ولم يخصص الله نوعا من ذلك أنه لهم دون يوم القيامة دون نوع بل عمّ فقال وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذَلِكَ فكلّ ذلك لهم عذاب ، وذلك لهم دون يوم القيامة ، فتأويل الكلام : وإن للذين كفروا بالله عذابا من الله دون يوم القيامة وَلِكنّ أكْثرَهُمْ لا يَعْلمُونَ بأنهم ذائقو ذلك العذاب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابٗا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (47)

{ وإن للذين ظلموا } يحتمل العموم والخصوص . { عذابا دون ذلك } أي دون عذاب الآخرة وهو عذاب القبر أو المؤاخذة في الدنيا كقتلهم ببدر والقحط سبع سنين . { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ذلك .