التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابٗا دُونَ ذَٰلِكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (47)

/خ44

ولقد روى الطبري عن ابن عباس أن المقصود من جملة { عذابا دون ذلك } هو عذاب القبر قبل عذاب القيامة ، وروى عن ابن زيد أنه مصائب تصيب الذين ظلموا في الدنيا عقوبة لهم قبل عذاب الآخرة . ويتبادر لنا من تعبير { للذين ظلموا } في مقامه أنها في صدد زعماء الكفار وأن الإنذار بعذاب إضافي أو متقدم عن عذاب الآخرة ؛ لأنهم لا يكتفون بالإعراض عن الدعوة بل يحملون غيرهم على ذلك . وفي آية سورة النحل هذه { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون 88 } تدعيم لذلك . وقد يكون القول إن المقصود من العذاب المنذر به هو مصائب تصيب الظالمين في الدنيا عقوبة لهم هو الأكثر تناسبا مع ذلك . وفي هذا توكيد للتلقين القرآني الذي انطوى في الإنذار الرباني المتكرر . ولقد روى البغوي بطرقه في سياق جملة { وسبح بحمد ربك حين تقوم } حديثا عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال : قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كان كفارة لما بينهما ) . وروى عن عائشة حديثا جاء فيه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ) حيث يفيد الحديث أن التسبيح المأمور به هو حين القيام للصلاة . وهناك من قال : إنه المقصود هو تسبيح الله حين القيام من الفراش من النوم . وقد روى أبو داود ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم بعض بناته فيقول قولي حين تصبحين سبحان الله وبحمده لا قوة إلا بالله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن . أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ، فإنه من قالهن حين يصبح حفظ حتى يمسي ومن قالهن حين يمسي حفظ حتى يصبح ) {[2033]} . وعلى كل حال فإن الأمر بتسبيح الله عز وجل في كل ظرف مما تكرر في القرآن ومر منه أمثلة عديدة لأن فيه ذكر الله الذي تطمئن بذكره القلوب . وفي هذا ما فيه من مدد روحاني ومعالجة نفسانية .


[2033]:التاج ج5 ص 99، وهناك أحاديث أخرى في تسبيح الله وذكره، انظر ص 96 وما بعدها من الجزء المذكور.