تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{لَّهُمۡ عَذَابٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَشَقُّۖ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٖ} (34)

ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب الأبرار : فقال بعد ، إخباره عن حال{[15664]} المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك : { لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : بأيدي المؤمنين قتلا وأسرا ، { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ } أي : المدّخَر [ لهم ]{[15665]} مع هذا الخزي في الدنيا ، " أشق " أي : من هذا بكثير ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين : " إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة " {[15666]} وهو كما قال ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإن عذاب الدنيا له انقضاء ، وذاك دائم أبدا في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفا ، ووثاق لا يتصور كثافته وشدته ، كما قال تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } [ الفجر : 25 ، 26 ] وقال تعالى : { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا } [ الفرقان : 11 - 15 ] . ولهذا قرن هذا بهذا ؛ فقال : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ }


[15664]:- في ت : "أحوال".
[15665]:- زيادة من ت ، أ.
[15666]:- رواه مسلم في صحيحه برقم (1493) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.