الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم نعتهم، فقال عز وجل: {الذين صبروا} على الهجرة {وعلى ربهم يتوكلون} يعني وبالله يثقون في هجرتهم، وذلك أن أحدهم كان يقول: بمكة أهاجر إلى المدينة وليس لي بها مال، ولا معيشة...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {الذين صبروا} على الطاعات وأداء الفرائض، أو أن يكون الصبر كناية وعبارة عن الإيمان، أي الذين آمنوا {وعلى ربهم يتوكلون} به يثقون، ويفوضون كقوله: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} [إبراهيم: 5] أي لكل مؤمن.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"الذين صبروا" على الاذى في الله، وصبروا على مشاق الطاعات، ووكلوا أمورهم إلى الله وتوكلوا عليه في أرزاقهم وجهاد أعدائهم ومهمات أمورهم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{الذين صَبَرُواْ} على مفارقة الأوطان والهجرة لأجل الدين. وعلى أذى المشركين، وعلى المحن والمصائب، وعلى الطاعات، وعن المعاصي.

{وعلى ربهم يتوكلون} ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله تعالى.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وصفهم تعالى بالصبر والتوكل وهاتان جماع الخير كله أي الصبر على الطاعات وعن الشهوات...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ذكر أمرين: الصبر والتوكل، لأن الزمان ماض وحاضر ومستقبل، لكن الماضي لا تدارك له ولا يؤمر العبد فيه بشيء، بقي الحاضر واللائق به الصبر، والمستقبل واللائق به التوكيل، فيصبر على ما يصيبه من الأذى في الحال، ويتوكل فيما يحتاج إليه في الاستقبال.

واعلم أن الصبر والتوكل صفتان لا يحصلان إلا مع العلم بالله والعلم بما سوى الله، فمن علم ما سواه علم أنه زائل فيهون عليه الصبر إذ الصبر على الزائل هين، وإذا علم الله علم أنه باق يأتيه بأرزاقه فإن فاته شيء فإنه يتوكل على حي باق، وذكر الصبر والتوكل ههنا مناسب، فإن قوله: {يا عبادي} كان لبيان أنه لا مانع من العبادة، ومن يؤذى في بقعة فليخرج منها. فحصل الناس على قسمين قادر على الخروج وهو متوكل على ربه، يترك الأوطان ويفارق الإخوان، وعاجز وهو صابر على تحمل الأذى ومواظب على عبادة الله تعالى...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وصفهم بما يرغب في الهجرة، فقال معرفاً بجماع الخير كله الصبر وكونه على جهة التفويض لله، منبهاً على أن الإنسان لا ينفك عن أمر شاق ينبغي الصبر عليه: {الذين صبروا} أي أوجدوا هذه الحقيقة حتى استقرت عندهم فكانت سجية لهم، فأوقعوها على كل شاق من التكاليف من هجرة وغيرها. ولما كان الإنسان إلى المحسن إليه أميل، قال مرغباً في الاستراحة بالتفويض إليه: {وعلى ربهم} أي وحده لا على أهل ولا وطن {يتوكلون} أي يوجدون التوكل إيجاداً مستمر التجديد عند كل مهم يعرض لهم أرزاقهم بعد الهجرة وغيرها وجهاد أعدائهم وغير ذلك من أمورهم...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

تصف أهمّ ما يتحلّى به المؤمنون العاملون فتقول: (الذين صبروا وعلى ربّهم يتوكلون). إذ يبتعدون عن الزوجة والأولاد والأهل والبيت والأحباب والأصدقاء وكل شيء عزيز عليهم، لكنّهم يصبرون برغم الفراق يذوقون مرارة الغربة والتهجير عن أوطانهم و يصبرون، وتتلقى أنفسهم العذاب والأذى من أعدائهم من أجل حفظ إيمانهم، ويواجهون الصعاب في جهادهم الأكبر «جهادهم مع النفس» وجهادهم أعداءهم بشدّة، ويتحملون أنواع المشاكل فيصبرون! أجل، هذا الصبر وهذه الاستقامة هما رمز انتصارهم وعامل فخرهم الكبير، وبدونه لا يتحقق عمل إيجابي في الحياة. ثمّ بعد هذا كلّه، فهم لا يعتمدون على أموالهم ولا على أصدقائهم، بل يعتمدون على الله ويتوكلون على ذاته المقدسة، وإذ ابتغى ألف عدو هلاكهم تمثلوا قائلين: «امتحانك رحمة فلا تكترث بالأعداء». وإذ أمعنا النظر وفكّرنا جيداً رأينا أن الصبر والتوكل هما أساس جميع الفضائل الإنسانية، فالصبر هو عامل الاستقامة أمام العوائق والمشاكل، والتوكل هو الهدف والباعث على الحركة في هذا الطريق المديد الملتوي. وفي الحقيقة ينبغي الاستمداد من هاتين الفضيلتين (الصبر والتوكل) للأعمال الصالحة، إذ بدونهما لا يمكن أن تؤدى الأعمال الصالحة بالمقياس الواسع...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

ثم نعتهم بقوله : " الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون " وقرأ أبو عمرو ويعقوب والجحدري وابن إسحاق وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : " يا عبادي " بإسكان الياء وفتحها الباقون " إن أرضي " فتحها ابن عامر وسكنها الباقون وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من فر بدينه من أرض إلي أرض ولو قيد شبر استوجب الجنة وكان رفيق محمد وإبراهيم ) عليهما السلام . " ثم إلينا ترجعون " . وقرأ السلمي وأبو بكر عن عاصم : " يرجعون " بالياء ؛ لقوله : " كل نفس ذائقة الموت " وقرأ الباقون بالتاء ؛ لقوله : " يا عبادي الذين آمنوا " وأنشد بعضهم :

الموت في كل حين ينشدُ الكَفَنَا *** ونحن في غفلة عما يُرَادُ بِنَا

لا تركننَّ إلى الدنيا وزهرتِها *** وإن تَوَشَّحَتْ من أثوابِهَا الحَسَنَا

أين الأحبة والجيران ما فعلوا *** أين الذين هُمُو كانوا لها سَكَنَا

سقاهم الموت كأسا غيرَ صافيةٍ *** صيَّرهم تحت أطباق الثَّرَى رُهُنَا

قوله تعالى : " لنبوئنهم من الجنة غرفا " وقر أ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي : " لنثوينهم " بالثاء مكان الباء من الثوى وهو الإقامة ، أي لنعطينهم غرفا يثوون فيها ، وقرأ رويس عن يعقوب والجحدري والسلمي : " ليبوئنهم " بالياء مكان النون . الباقون " لنبوئنهم " أي لننزلنهم " غرفا " جمع غرفة وهي العلية المشرفة . وفي صحيح مسلم عن سهل{[12421]} بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما تتراؤون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ) قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال : ( بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ) . وخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها ) فقام إليه أعرابي فقال : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام ) وقد زدنا هذا المعنى بيانا في كتاب ( التذكرة ) والحمد لله .


[12421]:هذه رواية أبي سعيد الخدري، كما في صحيح مسلم.