مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

ثم قال تعالى : { الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون }

ذكر أمرين الصبر والتوكل لأن الزمان ماض وحاضر ومستقبل لكن الماضي لا تدارك له ولا يؤمر العبد فيه بشيء ، بقي الحاضر واللائق به الصبر والمستقبل واللائق به التوكيل ، فيصبر على ما يصيبه من الأذى في الحال ، ويتوكل فيما يحتاج إليه في الاستقبال .

واعلم أن الصبر والتوكل صفتان لا يحصلان إلا مع العلم بالله والعلم بما سوى الله ، فمن علم ما سواه علم أنه زائل فيهون عليه الصبر إذ الصبر على الزائل هين ، وإذا علم الله علم أنه باق يأتيه بأرزاقه فإن فاته شيء فإنه يتوكل على حي باق ، وذكر الصبر والتوكل ههنا مناسب ، فإن قوله : { يا عبادي } كان لبيان أنه لا مانع من العبادة ، ومن يؤذى في بقعة فليخرج منها . فحصل الناس على قسمين قادر على الخروج وهو متوكل على ربه ، يترك الأوطان ويفارق الأخوان ، وعاجز وهو صابر على تحمل الأذى ومواظب على عبادة الله تعالى .