اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

قوله : «الَّذِينَ صَبَرُوا » يجوز فيه الجر والنصب والرفع{[41676]} كنظائر له تقدمت ، والمعنى : الذين صبروا على الشدائد ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } يعتمدون . قوله : { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } جوز أبو البقاء في «كأين »{[41677]} وجهين :

أحدهما : أنها مبتدأ و «لا تحمل » صفتها و «الله يرزقها » خبره و «من دابة » تبيين .

والثاني : أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل يفسره «يرزقها » ويقدر بعد «كأين » يعني لأن لها صدر الكلام ، وفي الثاني نظر ؛ لأن من شرط المفسرِ العملَ ، وهذا المفسر لا يعمل لأنهُ لو{[41678]} عمل لحل محل المفعول لكن لا يحل محله ، لأن الخبر ( متى{[41679]} كان ) فعلاً رافعاً لضمير مفرد امتنع تقديمه على المبتدأ . وإذا أردت معرفة هذه القاعدة فعليك بسورة «هود »{[41680]} عند قوله : { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } [ هود : 8 ] .

فصل :

لما ذكر الله { الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } ذكر ما يعين على التوكل وهو بيان حال الدواب التي لا تدخر شيئاً لغدٍ ، ويأتيها رزقها كل يوم .

واعلم أن ( في ){[41681]} كأين ( أربع لغات{[41682]} غير هذه كائن على{[41683]} وزن راعٍ ، وكَأَى على وزن رَعَى{[41684]} «وكِيءَ »{[41685]} على وزن «رِيعَ » و «كَا »{[41686]} على وزن «رع » ولم يُقْرأ إلا كائن و «كا » قراءة ابن كثير{[41687]} .

فصل :

«كأين » كلمة ) مركبة من «كاف التشبيه » و «أن » التي تستعمل استعمال «مَن » و «ما » ركبتا ، وجعل المركّب بمعنى «كم » ثم لم يكتب إلا بالنون ليفصل بين المركب وغير المركب لأن «كأيّ » مستعمل غير مركب كما يقول القائل : «رأيت رجلاً لا كَأَيِّ رَجُلٍ يكُونُ » ( فقد حذف{[41688]} المضاف إليه ، ويقال : رأيت رجلاً لا كأي رجل ) وحينئذ لا يكون «كأي » مركباً . فإذا كان «كأي » ههنا مركباً كتبت بالنون للتمييز ، ( كما تكتب مَعْدِ يكَرِبَ{[41689]} وبَعْلَبَكَّ ) موصولاً للفرق وكما تكتب ثَمَّةَ بالهاء تمييزاً بينها وبين ( ثَمَّتَ ){[41690]} .


[41676]:الدر المصون 4/309.
[41677]:التبيان 1034.
[41678]:فلا يقال: "قام زيد" على أن "زيداً" مبتدأ مؤخر، و"قام" جملة فعلية خبر مقدم، وذلك لئلا يلتبس المبتدأ بالفاعل فيجب حينئذ التزام الأصل هذا من جهة اللفظ، وأما من جهة المعنى فالمبتدأ محكوم عليه فيجب أن يقدم ما لم يمنع من ذلك مانع كأن يكون الخبر اسم استفهام له صدر الكلام.
[41679]:ساقط من "ب".
[41680]:في "ب" سورة.
[41681]:سقط من "ب".
[41682]:ما بين المعقوفين كله سقط من "ب".
[41683]:فتكون اسم فاعل من "كان" ساكنة النون وبذلك قرأ ابن كثير كما سيأتي الآن.
[41684]:قال في الهمع 2/67: وبذلك قرأ ابن محيصن.
[41685]:يكون ذلك بتقديم الياء على الهمزة.
[41686]:يكون ذلك بالقصر.
[41687]:لم أجد هذه القراءة في كتب القراءات المعتمدة لا في المتواتر، ولا في الشاذ إلا في كتاب الهمع للسيوطي 2/76، وتفسير الفخر الرازي 25/86.
[41688]:زيادة يقتضيها المعنى والسياق، انظر: الفخر الرازي 25/86.
[41689]:زيادة يقتضيها السياق من المرجع السابق أيضاً.
[41690]:تصحيح من النسختين اللتين نقلت "ثمة". هذا وقد قال أبو حيان: هذه اللغات التي وردت في "كأين" نقلها النحويون ولم ينشدوا فيها شعراً كما علمت، وهي في الآية هنا تفيد خبراً فغالباً ما تفيد الخبر بمعنى الكثرة، وقلما تفيد الاستفهام، انظر: همع الهوامع 2/76.