الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَزِنُواْ بِٱلۡقِسۡطَاسِ ٱلۡمُسۡتَقِيمِ} (182)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وزنوا بالقسطاس المستقيم} يعني: بالميزان المستقيم، والميزان بلغة الروم القسطاس.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بقوله:"وزِنُوا بالقِسْطاسِ": وزنوا بالميزان "المُسْتقِيمِ "الذي لا بخس فيه على من وزنتم له. "وَلا تَبْخَسوا النّاسَ أشْياءَهُمْ "يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن. "وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسدِينَ" يقول: ولا تكثروا في الأرض الفساد.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{المستقيم} المستوي؛ كأنه قال: وزنوا بالميزان المستوي، لا تجعلوا إحدى الكفتين أثقل من الأخر؛ كأنهم كانوا يجعلون الكفة التي يوفون بها حقوق الناس أثقل، والكفة التي يستوفون بها من الناس أخف، فأمرهم أن يسووا الكفتين جميعا.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و «القسطاس»: المعتدل من الموازين هو بناء مبالغة من القسط، وذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن معنى قوله {وزنوا بالقسطاس} عدلوا أموركم بميزان العدل الذي جعله الله لعباده.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أمر بوفاء الكيل، أتبعه بمثل ذلك في الوزن، ولم يجمعهما لما للتفريق من التعريف بمزيد الاهتمام فقال: {وزنوا} أي لأنفسكم وغيركم {بالقسطاس} أي الميزان الأقوم؛ وأكد معناه بقوله: {المستقيم}.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

القسطاس، الميزان الذي يوزن به، ومعنى {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ}، أي زنوا بالميزان المستقيم الذي لا يظلم في ميزانه، بل يكون في اعتدال واضح، وهو يتضمن نوعين من النهي: أولهما ألا يكون الميزان غير منتظم في رفعه وخفضه، والثاني ألا يعتمد الخلل فيه، فيخفضه ويرفعه كما يريد كما يكتال ظالما، وكما يكيل ظالما، وإن ذلك إفساد للثقة التي هي أساس التعامل العادل، وأكل لمال الناس بالباطل، وظلم مبين، وإفساد للعلاقات الإنسانية التي تربط الناس بعضهم ببعض.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 180]

واعلموا أنّي أبتغي ثوابه ووجهه (وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على رب العالمين).

وهذه التعابير هي التعابير ذاتها التي دعا بها سائر الأنبياء أُمَمهم، فهي متحدة المآل ومدروسة، إذ تدعو إلى التقوى، وتؤكّد على سابقة أمانة النّبي بين قومه، كما أنّها تؤكّد على أن الهدف من الدعوة إلى الله معنوي فحسب، وليس ورائها هدف مادي، ولا يطمع أيّ من الأنبياء بما في يد الآخرين، ليكون مثاراً للشكوك وذريعةً للمتذرعين!

و «شعيب» كسائر الأنبياء الذين ورد جانب من تأريخ حياتهم في هذه السورة، فهو يدعو قومه بعد الدعوة العامّة للتقوى وطاعة الله، إلى إصلاح انحرافاتهم الأخلاقية والاجتماعية وينتقدهم على هذه الانحرافات، وحيث أن أهم انحراف عند قومه كان الاضطراب الاقتصادي، والاستثمار والظلم الفاحش في الأثمان والسلع، والتطفيف في الكيل، لذلك فقد اهتم بهذه المسائل أكثر من غيرها، وقال لهم: (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس 13 المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين).

وفي هذه الآيات الأخيرة الثلاث يأمر شعيب هؤلاء القوم الضالين بخمسة أوامر في عبارات موجزة، ويتصور بعض المفسّرين أن هذه العبارات بعضها يؤكّد بعضاً، إلاّ أن التدقيق فيها يدلّ على أن هذه الأوامر الخمسة في الواقع تشير إلى خمسة مطالب أساسية ومختلفة، أو بتعبير آخر: هي أربعة أوامر ونتيجة كليّة!...

ولكي يتّضح هذا الاختلاف أو التفاوت، فإنه يلزم الالتفات إلى هذه الحقيقة... وهي أن قوم شعيب (أهل مدين وأصحاب الأيكة) كانوا مستقرين في منطقة حساسة تجارية، وهي على طريق القوافل القادمة من الحجاز إلى الشام، أو العائدة من الشام إلى الحجاز، ومن مناطق أُخَر.

ونحن نعرف أن هذه القوافل تحتاج في أثناء الطريق إلى أُمور كثيرة... وطالما يسيءُ أهل المنطقة الاستفادة من هذه الحالة، فهم يستغلونها فيشترون بضائعهم بأبخس ثمن... ويبيعون عليهم المستلزمات بأعلى ثمن «وينبغي الالتفات إلى أن أكثر المعاملات في ذلك الحين كانت قائمة على أساس المعاوضة سلعة بسلعة»...

وربما تذرعوا عند شراء البضاعة بأن فيها عدة عيوب، وإذا أرادوا أن يبيعوا عليهم عرّفوها بأحسن التعاريف، وعندما يزنون لأنفسهم يستوفون الوزن، وإذا كالوا الآخرين أو وزنوا لهم لا يهتمون بالميزان الصحيح والاستيفاء السليم، وحيث أن الطرف المقابل محتاج إلى هذه الأُمور على كل حال ومضطر إليها، فلا بد له من أن يقبلها ويسكت عليها!...

وبغض النظر عن القوافل التي تمرّ عليهم، فإنّ أهل المنطقة نفسها المضطرين إلى التعامل ببضائعهم مع هؤلاء المطففين، ليسوا بأحسن حظاً من أصحاب القوافل أيضاً.

فقيمة المتاع سواءً كان الجنس يراد بيعهُ أو شراؤه تتعين بحسب رغبة الكسبة هؤلاء. والوزن والمكيال على كل حال بأيديهم، فهذا المسكين المستضعف عليه أن يستسلم لهم كالميت بيد غاسله!

ومع ملاحظة ما ذكرناه آنفاً، نعود الآن إلى تعابير الآيات المختلفة... فتارة يقول شعيب لقومه: أوفوا الكيل، وفي مكان آخر يقول: زنوا بالقسطاس المستقيم، ونعرف أن تقويم الأجناس والبضائع يتم عن طريق الكيل أو الوزن، فهو يشير إلى كل واحد منهما ويهتم به اهتماماً خاصاً... لمزيد التأكيد على أن لا يبخسوا الناس أشياءهم...

ثمّ إنّ التطفيف أو بخس الناس له طرق شتى، فتارةً يكون الميزان صحيحاً إلاّ أن صاحبه لا يؤدي حقه، وتارة يكون اللعب أو العيب في الميزان... فهو يغش صاحبه بما فيه من عيب، وقد جاءت الإشارات في الآيات الآنفة إلى جميع هذه الأُمور.

وبعد اتضاح هذين التعبيرين (وأوفوا الكيل... وزنوا بالقسطاس) نأتي إلى معنى (لا تبخسوا) المأخوذة من «البخس»، وهو في الأصل النقص ظلماً من حقوق الناس... وقد يأتي أحياناً بمعنى الغش أو التلاعب المنتهي إلى تضييع حقوق الآخرين... فبناءً على ما تقدم، فإن الجملة الآنفة (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) لها معنى واسع يشمل جميع أنواع الغش والتزوير والتضليل، والتلاعب في المعاملات، وغمط حقوق الآخرين!

وأمّا جملة (ولا تكونوا من المخسرين) فمع ملاحظة أن «المخسر» هو من يوقع الآخر أو الشيء في الخسران... فمعناه واسع أيضاً، إذ يشمل بالإضافة إلى البخس والتطفيف كل ما من شأنه أن يكون سبباً للخسارة وإيذاء الطرف الآخر في المعاملة!

وهكذا فإنّ جميع ما ذُكر من الاستغلال وسوء الاستفادة والظلم، والمخالفة في المعاملة والغش والإخسار، سواءاً كان ذلك في الكمية أو الكيفية، كله داخل في التعليمات آنفة الذكر...

وحيث أن الإضطراب الإقتصادي، أو الأزمة الإقتصادية، أساس لاضطراب المجتمع، فإنّ شعيباً يختتم هذه التعليمات بعنوان جامع فيقول: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)، فتجرّوا المجتمع إلى هاوية الفساد والانحطاط، فعليكم أن تضعوا حدّاً لأي نوع من الاستثمار والعدوان وتضييع حقوق الآخرين.

وهذه التعليمات ليست بناءة للمجتمع الثري الظالم في عصر شعيب فحسب، بل هي بناءة ونافعة لكل عصر وزمان، وداعية إلى العدالة الإقتصادية!..