الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالَ رَبِّ ٱنصُرۡنِي عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (30)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فدعا لوط ربه عز وجل، ف {قال رب انصرني على القوم المفسدين} يعني العاصين، يعني بالفساد إتيان الرجال في أدبارهم، يقول: رب انصرني بتحقيق قولي في العذاب عليهم بما كذبون، يعني بتكذيبهم إياي حين قالوا: إن العذاب ليس بنازل بهم في الدنيا، فأهلكهم الله عز وجل بالخسف والحصب، وكان لوط، عليه السلام، قد أنذرهم العذاب، فذلك قوله: {ولقد أنذرهم بطشتنا} [القمر:36] يعني عذابنا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فقال عند ذلك لوط "رب انصرني على القوم المفسدين "الذين فعلوا المعاصي وارتكبوا القبائح وأفسدوا في الأرض، والمعنى: اكفني شرهم وأذاهم، ويجوز أن يريد أهلكهم، وأنزل عذابك عليهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

كانوا يفسدون الناس بحملهم على ما كانوا عليه من المعاصي والفواحش طوعاً وكرهاً، ولأنهم ابتدعوا الفاحشة وسنوها فيمن بعدهم، وقال الله تعالى: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} [النحل: 88] فأراد لوط عليه السلام أن يشتد غضب الله عليهم، فذكر لذلك صفة المفسدين في دعائه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن نبيا من الأنبياء ما طلب هلاك قوم إلا إذا علم أن عدمهم خير من وجودهم، كما قال نوح: {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} يعني المصلحة إما فيهم حالا أو بسببهم مآلا ولا مصلحة فيهم، فإنهم يضلون في الحال وفي المآل فإنهم يوصون الأولاد من صغرهم بالامتناع من الاتباع، فكذلك لوط لما رأى أنهم يفسدون في الحال واشتغلوا بما لا يرجى معه منهم ولد صالح يعبد الله، بطلت المصلحة حالا ومآلا، فعدمهم صار خيرا، فطلب العذاب.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وأراد بالنصر عقاب المكذبين ليريهم صدق ما أبلغهم من رسالة الله.

ووصفهم ب {المفسدين} لأنهم يفسدون أنفسهم بشناعات أعمالهم ويفسدون الناس بحملهم على الفواحش وتدريبهم بها، وفي هذا الوصف تمهيد للإجابة بالنصر لأن الله لا يحب المفسدين.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ}، وهكذا التجأ إلى الله عندما واجهوه بكلمة التحدي التي يريدون من خلالها تحطيم موقعه بإظهار ضعفه وعدم قدرته على تنفيذ ما هدّد به، وهو يعرف أنه لا يملك القدرة الذاتية على ذلك، فليس له إلا الرجوع إلى الله، والاستنصار به. وهذا هو ما ينبغي للمؤمنين العاملين في سبيل الله أن يعيشوه في مجالات الصراع العنيف بينهم وبين الكافرين والظالمين، فلا يستسلموا للضعف الذاتي، بل يعملوا على استنزال القوة والنصر من الله سبحانه ليكون لهم ذلك، منطلقاً للأمل، وحشداً للقوّة النفسية.

واستجاب الله دعاءه، ولكن كان من المفروض إعلام إبراهيم، لأن لوطاً على ما يبدو كان مرسلاً، من خلاله.