الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (174)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وكذلك نفصل الآيات}، يعني هكذا نبين الآيات في أمر الميثاق، {ولعلهم}، يعني لكي {يرجعون} إلى التوبة...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وكما فصلنا يا محمد لقومك آيات هذه السورة، وبيّنا فيها ما فعلنا بالأمم السالفة قبل قومك، وأحللنا بهم من المثلات بكفرهم وإشراكهم في عبادتي غيري، كذلك نفصل الآيات غيرها ونبينها لقومك، لينزجروا ويرتدعوا، فينيبوا إلى طاعتي ويتوبوا من شركهم وكفرهم، فيرجعوا إلى الإيمان والإقرار بتوحيدي وإفراد الطاعة لي وترك عبادة ما سواي.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وكذلك نفصّل الآيات} على وجهين:

أحدهما: على البيان أي نبيّن ما يكشف الغمّة ويزيل الشبهة.

والثاني: أن نفرق، ونضع كل واحدة منها في أحق مواضعها. وأولى، ذلك لقطع العذر ودفع العلل.

وقوله تعالى: {ولعلهم يرجعون} إن تأمّلوا ما هم عليه من الباطل، والله أعلم...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

إنا كما بينا لكم هذه الآيات، كذلك نفصلها للعباد ونبينها لهم. وتفصيله الآيات هو تمييز بعضها من بعض ليتمكنوا من الاستدلال بكل واحدة منها على جهتها، وبين أنه فعل ذلك بهم ليتوبوا وليرجعوا عن معاصيه إلى طاعته وعن الكفر إلى الإيمان به...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{وكذلك نفصل الآيات} تقديره وكما فعلنا هذه الأمور وأنفذنا هذه المقادير، فكذلك نفصل الآيات ونبينها لمن عاصرك وبعث إليه، {لعلهم} على ترجيهم وترجيكم وبحسب نظر البشر، {يرجعون} إلى طاعة الله ويدخلون في توحيده وعبادته...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان كأنه قيل تنبيهاً على جلالة هذه الآيات: انظر كيف فصلنا هذه الآيات هذه التفاصيل الفائقة وأبرزناها في هذه الأساليب الرائقة، قال: {وكذلك} أي ومثل ذلك التفصيل البديع الجليل الرفيع {نفصل الآيات} أي كلها لئلا يواقعوا ما لا يليق بجنابنا جهلاً لعدم الدليل {ولعلهم يرجعون} أي ليكون حالهم حال من يرجى رجوعه عن الضلال إلى ما تدعو إليه الهداة من الكمال عن قرب إن حصلت غفلة فواقعوه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

رحمة من الله بعباده قدر ألا يحاسبهم على عهد الفطرة هذا؛ كما أنه لا يحاسبهم على ما أعطاهم من عقل يميزون به؛ حتى يرسل إليهم الرسل، ويفصل لهم الآيات، لاستنقاذ فطرتهم من الركام والتعطل والانحراف، واستنقاذ عقلهم من ضغط الهوى والضعف والشهوات. ولو كان الله يعلم أن الفطر والعقول تكفي وحدها للهدى دون رسل ولا رسالات؛ ودون تذكير وتفصيل للآيات لأخذ الله عباده بها. ولكنه رحمهم بعلمه فجعل الحجة عليهم هي الرسالة: (وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون).. يرجعون إلى فطرتهم وعهدها مع الله؛ وإلى ما أودعه الله كينونتهم من قوى البصيرة والإدراك. فالرجعة إلى هذه المكنونات كفيلة بانتفاض حقيقة التوحيد في القلوب؛ وردها إلى بارئها الوحيد، الذي فطرها على عقيدة التوحيد. ثم رحمها فأرسل إليها الرسل بالآيات للتذكير والتحذير...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة: {وكذلك نفصل الآيات} معترضة بين القصتين، والواو اعتراضية، وتسمى واو الاستئناف أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات أي آيات القرآن، وتقدم نظير هذا عند قوله تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} في سورة الأنعام (55). وتفصيلها بيانها وتجريدها من الإلتباس.

وجملة: {ولعلهم يرجعون} عطف على جملة: {وكذلك نفصل الآيات} فهي في موقع الاعتراض، وهذا إنشاء ترجّي رجوعِ المشركين إلى التوحيد، وقد تقدم القول في تأويل معنى الرجاء بالنسبة إلى صدوره من جانب الله تعالى عنه قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} في سورة البقرة (21).

والرجوع مستعار للإقلاع عن الشرك، شُبه الإقلاع عن الحالة التي هم متلبسون بها بترك من حل في غير مقره الموضع الذي هو به ليرجع إلى مقره، وهذا التشبيه يقتضي تشبيه حال الإشراك بموضع الغُربة، لأن الشرك ليس من مقتضى الفطرة فالتلبس به خروج عن أصل الخلقة كخروج المسافر عن موطنه، ويقتضي أيضاً تشبيه حال التوحيد بمحل المرء وحيّه الذي يأوي إليه، وقد تكرر في القرآن إطلاق الرجوع على إقلاع المشركين عن الشرك كقوله: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمةً باقيةً في عقبه لعلهم يرجعون} [الزخرف: 26 28] أي يرجعون عن الشرك، وهو تعريض بالعرب، لأنهم المشركون من عقب إبراهيم، وبقرينة قوله: {بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسولٌ مبينٌ} [الزخرف: 29]، فإني استقريْتُ من اصطلاح القرآن أنه يشير بهؤلاء إلى العرب.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والآيات التي فصلها الحق هنا هي العهود الخاصة، ورفع الجبل ليأخذوا التوراة بقوة، وكذلك العهد العام الذي اشترك فيه كل الخلق من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، وجاء سبحانه بكل ذلك ليؤكد لهم أن قضية الإيمان عقيدة يجب أن تكون في بؤرة الشعور، فمن غفل فليتذكر، ومن قلد أباه في شيء مخالف للمنهج القويم، فليرجع عن هذا التقليد؛ لأن التكاليف الإيمانية تكاليف ذاتية، وسبحانه لا يكلفك وأنت في حاجة إلى أبيك، أو إلى أمك. لكنه يكلفك من بعد البلوغ؛ لأنك بعد البلوغ تستقل بذاتيتك استقلالا كاملا مثل والدك، وما دمت مكتمل الرجولة كوالدك وصالحا للإنجاب فلا ولاية إيمانية لأبيك عليك أبدا، فلا تقل إنني أقلد أبي ولو كان على غير المنهج السليم؛ لأن مثل هذا القول يمكن أن يكون مقبولا لو كان التكليف للإنسان وهو في دور الطفولة، حيث يسعى لإطعام أبنائه ورعايتهم، لكن التكليف لا يأتي للإنسان إلا بعد البلوغ، ومعنى بعد البلوغ: أنك صالح لإنجاب مثلك ورعاية نفسك.

ولذلك يطلب الحق سبحانه وتعالى من الآباء أن يدبوا أبناءهم ويعودوهم على مطلوبات التكليف قبل مجيء أوان تكليف الله، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم على تركها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع.. الخ". الأب إذن يأمُرُ ويُعاقبُ قبل أوان التكليف ليتدرب الأبناء عليه ويصير دربة سهلة لا يتعب منها الإنسان بعد البلوغ.

{وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون}. أي أن على الغافل أن يرجع عن غفلته فيتذكر، وأن يرجع المقلد لآبائه عن التقليد، ويقتنع اقتناعا، مصداقا لقوله الحق: {لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} (من الآية 33 من سورة لقمان).