قوله تعالى : { ألم تر أنهم في كل واد } من أودية الكلام ، { يهيمون } جائرون وعن طريق الحق جائرون ، والهائم : الذاهب على وجهه لا مقصد له . قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية : في كل لغو يخوضون . وقال مجاهد : في كل فن يفتنون . وقال قتادة : يمدحون بالباطل ويستمعون ويهجون بالباطل ، فالوادي مثل لفنون الكلام ، كما يقال : أنا في واد وأنت في واد . وقيل : { في كل واد يهيمون } أي : على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون .
والرؤية في { ألم تر } قلبية لأن الهُيام والوادي مستعاران لمعاني اضطراب القول في أغراض الشعر وذلك مما يُعلم لا مما يُرى .
والاستفهام تقريري ، وأجري التقرير على نفي الرؤية لإظهار أن الإقرار لا محيد عنه كما تقدم في قوله : { قال ألم نُربِّك فينا وليداً } [ الشعراء : 18 ] ، والخطاب لغير معين . وضمائر { إنهم } و { يهيمون } و { يقولون } و { يفعلون } عائدة إلى الشعراء .
فجملة : { ألم تر أنهم في كل واد يهيمون } وما عطف عليها مؤكدة لما اقتضته جملة : { يتبعهم الغاوون } من ذم الشعراء بطريق فحوى الخطاب .
ومثلت حال الشعراء بحال الهائمين في أودية كثيرة مختلفة لأن الشعراء يقولون في فنون من الشعر من هجاء واعتداء على أعراض الناس ، ومن نسيب وتشبيب بالنساء ، ومدح من يمدحُونه رغبة في عطائه وإن كان لا يستحق المدح ، وذمِّ من يمنعهم وإن كان من أهل الفضل ، وربما ذمّوا من كانوا يمدحونه ومدحوا من سَبق لهم ذمه .
والهيام : هو الحيرة والتردد في المرعى . والوادُ : المنخفض بين عُدوتين . وإنما ترعى الإبل الأودية إذا أقحلت الرُبى ، والربى أجود كلأ ، فمُثّل حال الشعراء بحال الإبل الراعية في الأودية متحيرة ، لأن الشعراء في حرص على القول لاختلاب النفوس .
و { كل } مستعمل في الكثرة . رُوي أنه اندسّ بعض المزَّاحين في زمرة الشعراء عند بعض الخلفاء فعرف الحَاجب الشعراء ، وأنكر هذا الذي اندسّ فيهم ، فقال له : هؤلاء الشعراء وأنتَ من الشعراء ؟ قال : بل أنا من الغاوين ، فاستطرفها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.