فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ} (225)

ثم بين سبحانه قبائح شعراء الباطل فقال :

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ؟ } تقرير لما قبله والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية ، يقال : هام يهيم هيما وهيمانا . إذا ذهب على وجهه ، والهيام أن يذهب على وجهه من عشق وغيره ، وهو تمثيل كما في الكشاف ، والمعنى ألم تر أنهم في كل فن من فنون الكذب يخوضون ، وفي كل شعب من شعاب الزور يتكلمون ، فتارة يمزقون الأعراض بالهجاء ، وتارة يأتون من المجون بكل ما يمجه السمع ويستقبحه العقل ، وتارة يخوضون في بحر السفاهة والوقاحة ، ويذمون الحق ويمدحون الباطل ، ويرغبون في فعل المحرمات ويدعون الناس إلى فعل المنكرات ، كما تسمعه في أشعارهم من مدح الخمر والزنا واللواط ونحو هذه الرذائل الملعونة .

كيف وأكثر مقدماتهم خيالات لا حقيقة لها ، وأغلب كلماتهم في التشبيب بالحرام والغزل والابتهار ، والقدح في الأنساب والطعن في الأحساب والوعد الكاذب ، والافتخار الباطل ، ومدح من لا يستحقه ؛ والإطراء فيه ، قاله البيضاوي ، وغيره ، وهذا من باب الاستعارة البليغة والتمثيل الرائع شبه جولانهم في أفانين القول بطريق المدح والذم والتشبيب وأنواع الشعر بهيام الهائم في كل وجه وطريق ، والهائم هو الذي يخبط في طريقه ولا يقصد موضعا معينا .

والهائم العاشق ، والهيمان العطشان ، والهيام داء يأخذ الإبل من العطش ، وجمل أهيم ، وناقة هيماء والجمع فيهما هيم قال تعالى :( فشاربون شرب الهيم ) .

قال ابن عباس في الآية : في كل لغو يخوضون ، وقيل : يمدحون بالباطل ويهجون بالباطل ، وقيل : إنهم يمدحون الشيء ثم يذمونه لا يطلبون الحق والصدق ، فالوادي مثل لفنون الكلام وطرقه ، والغوص في المعاني والقوافي