ولا يقتصر الهول على حمل الأرض والجبال ودكها دكة واحدة ، فالسماء في هذا اليوم الهائل ليست بناجية :
( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) . .
ونحن لا ندري على وجه التحقيق ما السماء المقصودة بهذا اللفظ في القرآن . ولكن هذا النص والنصوص الأخرى التي تشير إلى الأحداث الكونية في ذلك اليوم العظيم كلها تشير إلى انفراط عقد هذا الكون المنظور ، واختلال روابطه وضوابطه التي تمسك به في هذا النظام البديع الدقيق ، وتناثر أجزائه بعد انفلاتها من قيد الناموس . .
ولعله من المصادفات الغريبة أن يتنبأ الآن علماء الفلك بشيء يشبه هذا تكون فيه نهاية العالم ، استنباطا من ملاحظتهم العلمية البحتة ، وحسب القليل الذي عرفوه من طبيعة هذا الكون وقصته كما افترضوها . .
فأما نحن فنكاد نشهد هذه المشاهد المذهلة ، من خلال النصوص القرآنية الجازمة ؛ وهي نصوص مجملة توحي بشيء عام ؛ ونحن نقف عند إيحاء هذه النصوص ، فهي عندنا الخبر الوحيد المستيقن عن هذا الشأن ، لأنها صادرة من صاحب الشأن ، الذي خلق ، والذي يعلم ما خلق علم اليقين . نكاد نشهد الأرض وهي تحمل بجبالها بكتلتها هذه ، الضخمة بالقياس إلينا ، الصغيرة كالهباءة بالقياس إلى الكون ، فتدك دكة واحدة ؛ ونكاد نشهد السماء وهي مشققة واهية والكواكب وهي متناثرة منكدرة . . كل ذلك من خلال النصوص القرآنية الحية ، المشخصة المشاهد بكامل قوتها كأنها حاضرة . .
وانشقاق السماء هو تفطيرها وتمييز بعضها عن بعض وذلك هو الوهي الذي ينالها كما يقال في الجدارات البالية المتشققة واهية ، { والملك } اسم الجنس يريد به الملائكة ، وقال جمهور المفسرين : الضمير في { أرجائها } عائد على { السماء } أي الملائكة على نواحيها وما لم بَهِ{[11287]} منها .
وفعل { انشقت السماء } يجوز أن يكون معطوفاً على جملة { نفخ في الصور } فيكون ملحقاً بشرط ( إذا ) ، وتأخيرُ عطفه لأجل ما اتصل بهذا الانشقاق من وصف الملائكة المحيطين بها ، ومن ذكر العرش الذي يحيط بالسماوات وذكر حملته .
ويجوز أن يكون جملة في موضع الحال بتقدير : وقد انشقت السماء .
وانشقاق السماء : مطاوعتها لِفعل الشق ، والشقُّ : فتح منافذ في محيطها ، قال تعالى : { ويوم تشقق السماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلاً المُلكُ يومئذٍ الحقُ للرحمان وكان يوماً على الكافرين عسيراً } [ الفرقان : 25 ، 26 ] .
ثم يحتمل أنه غير الذي في قوله تعالى : { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان } [ الرحمن : 37 ] ويحتمل أنه عينه .
وحقيقة { واهية } ضعيفة ومتفرقة ، ويستعار الوهي للسهولة وعدم الممانعة ، يقال : وهَى عزمه ، إذا تسامح وتساهل ، وفي المثل « أوهى من بيت العنكبوت » يضرب لعدم نهوض الحجة .
وتقييده ب { يومئذٍ } أن الوهي طرا عليها بعد أن كانت صلبة بتماسك أجزائها وهو المعبر عنه في القرآن بالرتق كما عبر عن الشق بالفتق ، أي فهي يومئذٍ مطروقة مسلوكة .
والوهي : قريب من الوهن ، والأكثر أن الوهْي يوصف به الأشياء غير العاقلة ، والوهن يوصف به الناس .
والمعنى : أن الملائكة يترددون إليها صعوداً ونزولاً خلافاً لحالها مِن قبلُ قال تعالى : { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان } [ الرحمن : 37 ] .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وانصدعت السماء.
"فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ": منشقة متصدّعة.
عن ابن عباس، قوله: "وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ "يعني: متمزّقة ضعيفة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وانشقت السماء} قال بعضهم: تفرقت، وهكذا الشيء إذ انشق، تفرق، وتناثر، وبه يظهر الشق. ويحتمل أن يكون الشق كناية عن اللين، أي تلين بعد صلابتها، وتصير ذليلة.
{فهي يومئذ واهية} أي ضعيفة بعدما كانت تنسب إلى الصلابة. ويدل على ذلك قوله: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب} [الأنبياء: 104] وإنما يطوى الشيء في الشاهد بعد ما كان يلين في نفسه.
وجائز أن يكون ذكر انشقاقها وانفطارها وانفتاحها تهويلا للخلق من الوجه الذي ذكرنا في ما قبل.
{فهي يومئذ واهية} أي ضعيفة مسترخية، وقيل: الوهي: الخرق، وهو يحتمل لأنها إذا انشقت انخرقت...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَاهِيَةٌ} مسترخية ساقطة القوّة جدّا بعد ما كانت محكمة مستمسكة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وانشقاق السماء هو تفطيرها وتمييز بعضها عن بعض، وذلك هو الوهي الذي ينالها كما يقال في الجدارات البالية المتشققة؛ واهية.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر تأثير العالم السفلي ذكر العلوي فقال: {وانشقت السماء} أي هذا الجنس لشدة ذلك اليوم، ولما كان الشيء لا ينشق إلا لخلل فيه، سبب عنه قوله تحقيقاً لذلك. {فهي يومئذ} أي إذا وقعت الواقعة {واهية *} أي ضعيفة متساقطة خفيفة لا تتماسك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولا يقتصر الهول على حمل الأرض والجبال ودكها دكة واحدة، فالسماء في هذا اليوم الهائل ليست بناجية: (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية).. ونحن لا ندري على وجه التحقيق ما السماء المقصودة بهذا اللفظ في القرآن. ولكن هذا النص والنصوص الأخرى التي تشير إلى الأحداث الكونية في ذلك اليوم العظيم كلها تشير إلى انفراط عقد هذا الكون المنظور، واختلال روابطه وضوابطه التي تمسك به في هذا النظام البديع الدقيق، وتناثر أجزائه بعد انفلاتها من قيد الناموس.. ولعله من المصادفات الغريبة أن يتنبأ الآن علماء الفلك بشيء يشبه هذا تكون فيه نهاية العالم، استنباطا من ملاحظتهم العلمية البحتة، وحسب القليل الذي عرفوه من طبيعة هذا الكون وقصته كما افترضوها.. فأما نحن فنكاد نشهد هذه المشاهد المذهلة، من خلال النصوص القرآنية الجازمة؛ وهي نصوص مجملة توحي بشيء عام؛ ونحن نقف عند إيحاء هذه النصوص، فهي عندنا الخبر الوحيد المستيقن عن هذا الشأن، لأنها صادرة من صاحب الشأن، الذي خلق، والذي يعلم ما خلق علم اليقين. نكاد نشهد الأرض وهي تحمل بجبالها بكتلتها هذه، الضخمة بالقياس إلينا، الصغيرة كالهباءة بالقياس إلى الكون، فتدك دكة واحدة؛ ونكاد نشهد السماء وهي مشققة واهية والكواكب وهي متناثرة منكدرة.. كل ذلك من خلال النصوص القرآنية الحية، المشخصة المشاهد بكامل قوتها كأنها حاضرة..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وقد انشقت السماء. وانشقاق السماء: مطاوعتها لِفعل الشق، والشقُّ: فتح منافذ في محيطها، قال تعالى: {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلاً المُلكُ يومئذٍ الحقُ للرحمان وكان يوماً على الكافرين عسيراً} [الفرقان: 25، 26]. وحقيقة {واهية} ضعيفة ومتفرقة، ويستعار الوهي للسهولة وعدم الممانعة، يقال: وهَى عزمه، إذا تسامح وتساهل،. وتقييده ب {يومئذٍ} أن الوهي طرأ عليها بعد أن كانت صلبة بتماسك أجزائها، وهو المعبر عنه في القرآن بالرتق كما عبر عن الشق بالفتق، أي فهي يومئذٍ مطروقة مسلوكة. والوهي: قريب من الوهن، والأكثر أن الوهْي يوصف به الأشياء غير العاقلة، والوهن يوصف به الناس. والمعنى: أن الملائكة يترددون إليها صعوداً ونزولاً خلافاً لحالها مِن قبلُ قال تعالى: {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان} [الرحمن: 37].