ثم يحدده ويبينه بشكله وصورته : ( النجم الثاقب )الذي يثقب الظلام بشعاعه النافذ . وهذا الوصف ينطبق على جنس النجم . ولا سبيل إلى تحديد نجم بذاته من هذا النص ، ولا ضرورة لهذا التحديد . بل إن الإطلاق أولى . ليكون المعنى : والسماء ونجومها الثاقبة للظلام ، النافذة من هذا الحجاب الذي يستر الأشياء . ويكون لهذه الإشارة إيحاؤها حول حقائق السورة وحول مشاهدها الأخرى . . كما سيأتي . .
يقسم{[29949]} تعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ؛ ولهذا قال : { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ } ثم قال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ } ثم فسره بقوله : { النَّجْمُ الثَّاقِبُ }
قال قتادة وغيره : إنما سمي النجم طارقا ؛ لأنه إنما يرى بالليل ويختفي بالنهار . ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح : نهى أن يطرق الرجل أهله طروقا{[29950]} أي : يأتيهم فجأة بالليل . وفي الحديث الآخر المشتمل على الدعاء : " إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن " {[29951]} .
وقوله : { الثَّاقِبُ } قال ابن عباس : المضيء . وقال السدي : يثقب الشياطين إذا أرسل عليها . وقال عكرمة : هو مضيء ومحرق للشيطان .
ثم بين الله تعالى الجنس المذكور بأنه { النجم الثاقب } ، وقيل بل معنى الآية : { والسماء } وجميع ما يطرق فيها من الأمور والمخلوقات ، ثم ذكر تعالى بعد ذلك على جهة التنبيه أجل الطارقات قدراً وهو { النجم الثاقب } ، فكأنه قال : { وما أدراك ما الطارق } ، وحق الطارق ، واختلف المتأولون في { النجم الثاقب } ، فقال الحسن بن أبي الحسن ما معناه : إنه اسم للجنس ، لأنها كلها ثاقبة ، أي ظاهرة الضوء ، يقال ثقب النجم إذا أضاء ، وثقبت النار ، كذلك ، وثقبت الرائحة إذا سطعت ، ويقال للموقد اثقب نارك ، أي اضئها ، وقال ابن زيد : أراد نجماً مخصوصاً : وهو زحل ، ووصفه بالثقوب ، لأنه مبرز على الكواكب في ذلك ، وقال ابن عباس : أراد الجدي ، وقال بعض هؤلاء يقال : ثقب النجم ، إذا ارتفع وصف زحلاً بالثقوب لأنه أرفع الكواكب مكاناً . وقال ابن زيد وغيره : { النجم الثاقب } : الثريا ، وهو الذي يطلق عليه اسم النجم معرفاً ، وجواب القسم في قوله : { إن كل نفس } الآية .
وقوله : { النجم } خبر عن ضمير محذوف تقديره : هو ، أي الطارق النجم الثاقب .
والثقب : خرق شيء ملتئم ، وهو هنا مستعار لظهور النور في خلال ظلمة الليل . شبه النجم بمسمار أو نحوه ، وظهورُ ضوئه بظهور ما يبدو من المسمار من خلال الجسم الذي يثقبه مثل لَوح أو ثَوب .
وأحسب أن استعارة الثقب لبروز شعاع النجم في ظلمة الليل من مبتكرات القرآن ولم يرد في كلام العرب قبل القرآن . وقد سبق قوله تعالى : { فأتبعه شهاب ثاقب } في سورة الصافات ( 10 ) ، ووقع في تفسير القرطبي } : والعرب تقول اثقُب نارك ، أي أضئها ، وساق بيتاً شاهداً على ذلك ولم يعزه إلى قائل .
والتعريف في { النجم } يجوز أن يكون تعريف الجنس كقول النابغة :
أقول والنجمُ قد مَالت أواخِره *** البيت
فيستغرق جميع النجوم استغراقاً حقيقياً وكلها ثاقب فكأنه قِيلَ ، والنجوم ، إلا أن صيغة الإفراد في قوله : { الثاقب } ظاهر في إرادة فرد معيّن من النجوم ، ويجوز أن يكون التعريف للعهد إشارة إلى نجم معروف يطلق عليه اسم النجم غالباً ، أي والنجم الذي هو طارق .
ويناسب أن يكون نجماً يَطلع في أوائل ظلمة الليل وهي الوقت المعهود لِطروق الطارقين من السائرين . ولعل الطارق هو النجم الذي يسمى الشاهد ، وهو نجم يظهر عقب غروب الشمس ، وبه سميت صلاة المغرب « صلاةَ الشاهد » .
روى النسائي : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن هذه الصلاة ( أي العصر ) فرضت على من كان قبلكم فضيعوها " إلى قوله : " ولا صلاة بعدَها حتى يطلع الشاهد " .
وقيل : أريد ب { الطارق } نوع الشهب ، روي عن جابر بن زيد : أن النجم الطارق هو كوكب زُحل ( لأنه مبرز على الكواكب بقوة شعاعه ) . وعنه : أنه الثريا ( لأن العرب تطلق عليها النجم علماً بالغَلبة ) ، وعن ابن عباس : أنه نجوم برج الجَدي ، ولعل ذلك النجم كان معهوداً عند العرب واشتهر في ذلك في نجم الثريا .
وقيل : أريد بالطارق نوع الشهب ( أي لأن الشهاب ينقضّ فيلوح كأنه يَجري في السماء كما يسير السائر إذا أدركه الليل ) . فالتعريف في لفظ { النجم } للاستغراق ، وخص عمومه بوقوعه خبراً عن ضمير { الطارق } أي أن الشهاب عند انقضاضه يرى سائراً بسرعة ثم يغيب عن النظر فيلوح كأنه استقر فأشبه إسراع السائر ليلاً ليبلغ إلى الأحياء المعمورة فإذا بلغها وقف سيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.