ويبدأ الحديث عن المكذبين به ، وما نالهم من الهول ، وما أخذوا به من القصم ، فذلك الأمر جد لا يحتمل التكذيب ، ولا يذهب ناجيا من يصر فيه على التكذيب :
( كذبت ثمود وعاد بالقارعة . فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية . وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية . سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما . فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية . فهل ترى لهم من باقية ? ) .
وهذا اسم جديد للحاقة . إنها فوق إنها تحق . . فهي تقرع . . والقرع ضرب الشيء الصلب والنقر عليه بشيء مثله . والقارعة تقرع القلوب بالهول والرعب ، وتقرع الكون بالدمار والحطم . وها هي ذي بجرسها تقعقع وتقرقع ، وتقرع وتفزع . . وقد كذبت بها ثمود وعاد .
وقوله : كَذّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بالقارِعَةِ يقول تعالى ذكره : كذّبت ثمود قوم صالح ، وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد فيها بهجومها عليهم . والقارعة أيضا : اسم من أسماء القيامة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بالقارِعَةِ أي بالساعة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : كَذّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بالقارِعَةِ قال : القارعة : يوم القيامة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال: هي القارعة، والساعة التي {كذبت} بها {ثمود وعاد} نظيرها في سورة القارعة، وإنما سميت القارعة، لأن الله عز وجل يقرع أعداءه بالعذاب.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
كذّبت ثمود قوم صالح، وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد فيها بهجومها عليهم... والقارعة أيضا: اسم من أسماء القيامة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ذلك أن الله عز وجل لما ذكر لهم من دلائل البعث التي حججه تدركها العقول والحكمة من إحالة التسوية بين الفاجر والبر والمطيع والعاصي وأنه لا يجوز كون هذا العالم عبثا باطلا، والدلائل الأخر التي لا يأتي عليها الإحصاء، فلما لم يقنعهم ذلك، ولم يتفكروا في خلق السماوات والأرض، ولا اعتبروا بالآيات، احتج عليهم بما لقي من سلفهم من مكذبي البعث ومنكري الرسل حين استأصلهم، فلم يبق منهم سلف ولا خلف عنهم خلف ليكون ذلك أبلغ في الإنذار... وذلك قوله تعالى: {كذبت ثمود وعاد بالقارعة} ذكّرهم بما حل بثمود وعاد وما أصابهم بتكذيبهم الرسل. يقول: سيصيبكم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم في ما يخبركم من الأنباء عن الله تعالى كما أصاب ثمودا وعادا بتكذيبهم رسلهم، لينتهوا عن تكذيبه. أو يخبرهم أن ثمودا وعادا كذبوا رسلهم حتى صاروا إلى الهلاك فندموا على ما سبق من تكذيبهم، فستندمون أيضا إن دمتم على تكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم في ما يأتيكم من الأنباء بعد موتكم.
ثم ذكر لهم نبأ عاد وثمود وما كانوا مكذبين بتلك الأنباء لئلا يبقى لهم يوم القيامة حجة، فيقولوا: {إنا كنا عن هذا غافلين} [الأعراف: 172] ولأنهم لو بحثوا عن علم ذلك لكانت هذه الآيات والأنباء تحقق لهم ذلك. فقد وقعت هذه الآيات موقع الحجاج، لولا إغفالهم وإعراضهم عنها، فانقطع عذرهم، ولزمتهم الحجة لأن تركوا الإيمان بها...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أما ثمود فقوم صالح، كانت منازلهم في الحجر فيما بين الشام والحجاز، قاله محمد بن إسحاق: وهو وادي القرى، وكانوا عرباً.
وأما عاد فقوم هود، وكانت منازلهم بالأحقاف، والأحقاف الرمل بين عُمان إلى حضرموت واليمن كله، وكانوا عرباً ذوي خَلق وبَسطة، ذكره محمد بن إسحاق.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وإنما حسن أن يوضع القارعة موضع الكنية لتذكر بهذه الصفة الهائلة بعد ذكرها بأنها الحاقة، وإلا كان يكفي ان يقول: كذبت ثمود وعاد بها.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
(القارعة) التي تقرع الناس بالأفزاع والأهوال، والسماء بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال بالدك والنسف، والنجوم بالطمس والانكدار. ووضعت موضع الضمير لتدل على معنى القرع في الحاقة، زيادة في وصف شدتها.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{كذبت ثمود} وتقديمهم أيضاً من حيث أن بلادهم أقرب إلى قريش، وواعظ القرب أكبر، وإهلاكهم بالصيحة وهي أشبه بصيحة النفخ في الصور المبعثر لما في القبور.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويبدأ الحديث عن المكذبين به، وما نالهم من الهول، وما أخذوا به من القصم، فذلك الأمر جد لا يحتمل التكذيب، ولا يذهب ناجيا من يصر فيه على التكذيب...وهذا اسم جديد للحاقة. إنها فوق إنها تحق.. فهي تقرع.. والقرع ضرب الشيء الصلب والنقر عليه بشيء مثله. والقارعة تقرع القلوب بالهول والرعب، وتقرع الكون بالدمار والحطم. وها هي ذي بجرسها تقعقع وتقرقع، وتقرع وتفزع.. وقد كذبت بها ثمود وعاد...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وربما أريد من معناها أنها تقرع السمع والقلب بأهوالها التي تجعلهما يرتجفان في أجواء الرعب والهلع، كما تقرعهما عندما يتذكران تأثيرها على الحياة العملية، ولعلّ هذا أقرب من المعنى الأول، لأن التعبير موجّه على الظاهر للإنسان في تأثيره على مشاعره في حركته في الحياة. ولكن هذه القارعة كانت محل تكذيب لبعض الأمم السابقة كعاد وثمود، لأنها لم تتوفّر على التأمل في طبيعة الموقف، وفي احتمالاته، وهل هو ممكن بذاته أم لا، هذا فضلاً عن التأمل في طبيعة المعطيات التي تؤكده في ما تثيره من نفي عبثية الخلق، لتوحي بأن الجدّية هي في المسؤولية عن أعمالهم الخيّرة والشريرة. وهكذا كانت الغفلة المطبقة على عقولهم بفعل الاستغراق في خصوصياتهم التي دفعتهم إلى التكذيب السريع، لأنهم لا يريدون أن يخرجوا من عاداتهم وتقاليدهم، ولا يوافقون على إتعاب أنفسهم في البحث والتحليل، بل يريدون للحياة أن تستمر في امتدادها على الطريقة التي كانت عليها في عصور أجدادهم من دون تغيير أو تبديل. ولم يتركهم الله لتكذيبهم، لأن ذلك قد يترك تأثيره على الحياة عندما يمتدّون في السيطرة عليها، ليمنعوا الناس من الإيمان من خلال تعاظم قوتهم في الضغط على من حولهم، وهكذا أنزل الله عليهم العذاب...