لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ} (4)

قوله جلّ ذكره : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ } .

ذَكَرَ في هذه السورة : الذين كَذَّبوا رُسُلَهم من الأمم ، وأصرُّوا على كُفْرِهم ، ولم يقبلوا النصيحةَ من أنبيائهم ، فأهلكهم ، وانتقم لأنبيائه منهم .

والفائدةُ في ذِكْرِهم : الاعتبارُ بهم ، والتحرُّرُ عمَّا فعلوا لئلا يُصيبَهم ما أصابهم . وعقوبةُ هذه الأمةِ مُؤَجَّلةٌ مُؤَخَّرَةٌ إلى القيامة ، ولكنَّ خواصَّهم عقوبتُهم مُعجَّلة ؛ فقومٌ من هذه الطائفة إذا أشاعوا سِرًّا ، أو أضاعوا أدباً يعاقبهم برياح الحجبة ، فلا يَبْقى في قلوبهم أثرٌ من الاحتشام للدِّين ، ولا مِمَّا كان لهم من الأوقات ، ويصيرون على خَطَرٍ في أحوالهم بأنْ يُمْتَحنوا بالاعتراض على التقدير والقِسْمة .

وأمَّا فرعون وقومُه فكان عذابُهم بالغَرَقِ . . . كذلك مَنْ كان له وقتٌ فارغٌ وهو بطاعة ربِّه مشتغِلٌ ، والحقُّ عليه مُقْبِلٌ - فإذا لم يشكرْ النعمةَ ، وأساءَ أدبَه ، ولم يَعْرِفْ قَدْرَ ما أنعم اللَّهُ به عليه رَدَّه الحقُّ إلى أسباب التفرقة ، ثم أغرقه في بحار الاشتغال فيتكدر مَشْرَبُه ، ويصير على خَطَرٍ بأن يُدْرِكَه سُخْطُ الحقِّ وغضبُه .