ثم يستمر في رسم صورة النفوس من داخلها ، فيضرب عما ذكره من ذلك الطمع والحسد ، ويذكر سببا آخر للإعراض والجحود . وهو يردع في نفوسهم ذلك الطمع الذي لا يستند إلى سبب من صلاح ولا من استعداد لتلقي وحي الله وفضله :
( كلا ! بل لا يخافون الآخرة ) . .
وعدم خوفهم من الآخرة هو الذي ينأى بهم عن التذكرة ، وينفرهم من الدعوة هذه النفرة . ولو استشعرت قلوبهم حقيقة الآخرة لكان لهم شأن غير هذا الشأن المريب !
وقوله : كَلاّ بَلْ لا يَخافُونَ الاَخِرَةَ يقول تعالى ذكره : ما الأمر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفا منشّرة صدّقوا ، بل لا يخافون الاَخرة ، يقول : لكنهم لا يخافون عقاب الله ، ولا يصدّقون بالبعث والثواب والعقاب فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله ، وهوّن عليهم ترك الاستماع لوحيه وتنزيله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : كَلاّ بَلْ لا يخافُونَ الاَخِرَةَ إنما أفسدهم أنهم كانوا لا يصدّقون بالاَخرة ، ولا يخافونها ، هو الذي أفسدهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{كلا} لا يؤمنون بالصحف التي أرادوها، ثم استأنف، فقال: {بل} لكن {لا يخافون} عذاب {الآخرة}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعمون من أنهم لو أوتوا صحفا منشّرة صدّقوا،" بل لا يخافون الآخرة"، يقول: لكنهم لا يخافون عقاب الله، ولا يصدّقون بالبعث والثواب والعقاب، فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله، وهوّن عليهم ترك الاستماع لوحيه وتنزيله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
إن الذي حملهم على الطلب بأن يؤتى كل منهم صحفا منشرة إعراضهم عن الإيمان بالآخرة، وإلا لو آمنوا بها لكان إيمانهم بها يحملهم على ترك العناد والتعنت وعلى ترك الجور على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعوهم إلى الإذعان للحق.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أي: كَلاَّ لا يُعْطَوْن ما يتمنُّون لأنهم لا يخافون الآخرة.
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
{كلا} رد لما قالوا {بل لا يخافون الآخرة} حيث يقترحون أن يؤتوا صحفا منشرة.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
وقوله: (كلا) أي: لا يؤتون هذه الصحف. وقيل: كلا أي: لو أوتوا هذه الصحف لم يؤمنوا. وقوله: (بل لا يخافون الآخرة) أي: لو خافوا لم يطلبوا هذه الأشياء.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ردعهم بقوله {كَلاَّ} عن تلك الإرادة، وزجرهم عن اقتراح الآيات، ثم قال: {بَل لاَّ يَخَافُونَ الأخرة} فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{كلا} رد على إرادتهم أي ليس الأمر كذلك، ثم قال: {بل لا يخافون الآخرة} المعنى هذه العلة والسبب في إعراضهم فكان جهلهم بالآخرة سبب امتناعهم للهدى حتى هلكوا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان ذلك إنما هو تعنت، لا أنه على حقيقته قال: {كلا} أي ليس لهم غرض في الاتباع بوجه من الوجوه لا بهذا الشرط ولا بغيره: {بل} علتهم الحقيقية في هذا الإعراض أنهم {لا يخافون} أي في زمن من الأزمان {الآخرة}.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{كَلاَّ} إبطال لظاهر كلامهم ومرادِهم منه وردع عن ذلك، أي لا يكون لهم ذلك.
ثم أضرب على كلامهم بإبطال آخر بحرف الإِضراب فقال: {بل لا يخافون الآخرة} أي ليس ما قالوه إلاّ تنصلاً، فلو أنزل عليهم كتاب ما آمنوا وهم لا يخافون الآخرة، أي لا يؤمنون بها فكُني عن عدم الإِيمان بالآخرة بعدم الخوف منها، لأنهم لو آمنوا بها لخافوها إذ الشأن أن يُخاف عذابها إذ كانت إحالتهم الحياة الآخرة أصلاً لتكذيبهم بالقرآن.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.