وبمناسبة هذه الآية في هذه السورة نقول : إن الآيات القرآنية المكية التي ينطوي فيها المعنى المقرر في الآية قد تكررت بسبيل تعليل موقف الكفار الجحودي والمناوئ والعدواني والمستكبر والمستهتر والساخر بالوعيد والإنذار الربانيين . من ذلك آية سورة النحل هذه : { إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ( 22 ) } وآية سورة المؤمنون هذه : { وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ( 74 ) } وآية سورة الزمر هذه : { وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ( 45 ) } وآية سورة النجم هذه : { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى ( 27 ) } .
والموضوع في أصله متصل بموضوع جحود الكفار للآخرة الذي نبهنا عليه في التعليق على الحياة الأخروية في تفسير سورة الفاتحة . غير أن النقطة الجديرة بالتنبيه في هذا المقام هي ما انطوى في الآية التي نحن في صددها وأمثالها من تلقين جليل وتعليل لموقف الكفار . فالذي لا يخاف الآخرة لا يأبه كثيراً للحق والخير في شتى ساحاتهما ولا يندفع فيهما اندفاعاً ذاتياً وجدانياً إذا لم يأمل في مقابلة وجزاء في الدنيا . ولا يتورع عن الإثم والمنكر إذا ما تيقن الخلاص من العقوبة . وفي سورة الأنعام آية داعمة لذلك بأسلوب إيجابي وهي : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ( 92 ) } ومن هذا الباب آية سورة هود هذه : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُود( 103 ) } وهكذا تكون الآيات قد انطوت على تقرير أثر الإيمان بالآخرة في سلوك الناس سلباً وإيجاباً ، وهو متسق مع ما جاء في تعليقنا السابق وداعم له .
وإذا كان من المحتمل أن يكون بعض الناس يقدمون على عمل الخير والامتناع عن الإثم والشرّ بدون إيمان بالله واليوم الآخر ، فإن أغلب هؤلاء يستهدفون جزاء ما ولو معنوياً في الدنيا . فضلاً عن أن ذلك الاحتمال يظل بعيداً بالنسبة للكثرة الكاثرة في أغلب المواقف . وإذا كان من المحتمل أن يكون كثير من المؤمنين بالله واليوم الآخر لا يقدمون على الخير ولا يمتنعون عن الإثم إلاّ بقوة ما يتحققون من نيله من ثواب وعقاب دنيويين في الدرجة الأولى ، فإن أمثال هؤلاء لا يمكن أن يوصفوا بصفة الإيمان الصحيح السليم أولا . وإن إيمان هؤلاء يظل على كل حال ذا قوة وازعة ورادعة ثانياً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.