قوله تعالى : { ألم تر أنهم في كل واد } من أودية الكلام ، { يهيمون } جائرون وعن طريق الحق جائرون ، والهائم : الذاهب على وجهه لا مقصد له . قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية : في كل لغو يخوضون . وقال مجاهد : في كل فن يفتنون . وقال قتادة : يمدحون بالباطل ويستمعون ويهجون بالباطل ، فالوادي مثل لفنون الكلام ، كما يقال : أنا في واد وأنت في واد . وقيل : { في كل واد يهيمون } أي : على كل حرف من حروف الهجاء يصوغون .
وقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : في كل لغو يخوضون .
وقال الضحاك عن ابن عباس : في كل فن من الكلام . وكذا قال مجاهد وغيره .
وقال الحسن البصري : قد - والله - رأينا أوديتهم التي يهيمون فيها ، مرة في شتمة{[21928]} فلان ، ومرة في مدحة{[21929]} فلان .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ألم تر أنهم في كل واد يهيمون}، يعني: في كل طريق، يعني: في كل فن من الكلام يأخذون.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"ألَمْ تَرَ أنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمونَ" يقول تعالى ذكره: ألم تر يا محمد أنهم، يعني الشعراء في كلّ وادٍ يذهبون، كالهائم على وجهه على غير قصد، بل جائرا على الحقّ، وطريق الرشاد، وقصد السبيل. وإنما هذا مثل ضربه الله لهم في افتنانهم في الوجوه التي يفتنون فيها بغير حقّ، فيمدحون بالباطل قوما ويهجون آخرين كذلك بالكذب والزور... عن ابن عباس "ألَمْ تَرَ أنّهُمْ فِي كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ "يقول: في كلّ لغو يخوضون.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ} من أودية الكلام {يَهِيمُونَ} حائرين، وعن طريق الحق والرشد جائرين..
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي هم لما يغلب عليهم من الهوى كالهائم على وجهه في كل واد يعن له، وليس هذا من صفة من عليه السكينة والوقار، ومن هو موصوف بالحلم والعقل. والمعنى أنهم يخوضون في كل فن من الكلام والمعاني التي يعن لهم ويريدونه...والآية قيل نزلت في الشعراء الذين هجوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين، وهي تتناول كل شاعر يكذب في شعره...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ذكر الوادي والهيوم: فيه تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم وقلة مبالاتهم بالغلو في المنطق ومجاوزة حدّ القصد فيه، حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأشحهم على حاتم، وأن يبهتوا البريّ، ويفسقوا التقي.
أحكام القرآن لابن الفرس 595 هـ :
ثم بين تلك الغواية بأمرين: الأول: {أنهم في كل واد يهيمون} والمراد منه الطرق المختلفة كقولك أنا في واد وأنت في واد، وذلك لأنهم قد يمدحون الشيء بعد أن ذموه وبالعكس، وقد يعظمونه بعد أن استحقروه وبالعكس، وذلك يدل على أنهم لا يطلبون بشعرهم الحق ولا الصدق بخلاف أمر محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه من أول أمره إلى آخره بقي على طريق واحد وهو الدعوة إلى الله تعالى والترغيب في الآخرة والإعراض عن الدنيا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ألم تر أنهم} أي الشعراء. ومثل حالهم بقوله: {في كل واد} أي من أودية القول من المدح والهجو والنسيب والرثاء والحماسة والمجون وغير ذلك {يهيمون} أي يسيرون سير الهائم حائرين وعن طريق الحق جائرين، كيفما جرهم القول انجروا من القدح في الأنساب، والتشبيب بالحرم، والهجو، ومدح من لا يستحق المدح ونحو ذلك،
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والرؤية في {ألم تر} قلبية لأن الهُيام والوادي مستعاران لمعاني اضطراب القول في أغراض الشعر وذلك مما يُعلم لا مما يُرى.
والاستفهام تقريري، وأجري التقرير على نفي الرؤية لإظهار أن الإقرار لا محيد عنه كما تقدم في قوله: {قال ألم نُربِّك فينا وليداً} [الشعراء: 18]، والخطاب لغير معين. وضمائر {إنهم} و {يهيمون} و {يقولون} و {يفعلون} عائدة إلى الشعراء.
فجملة: {ألم تر أنهم في كل واد يهيمون} وما عطف عليها مؤكدة لما اقتضته جملة: {يتبعهم الغاوون} من ذم الشعراء بطريق فحوى الخطاب.
ومثلت حال الشعراء بحال الهائمين في أودية كثيرة مختلفة لأن الشعراء يقولون في فنون من الشعر من هجاء واعتداء على أعراض الناس، ومن نسيب وتشبيب بالنساء، ومدح من يمدحُونه رغبة في عطائه وإن كان لا يستحق المدح، وذمِّ من يمنعهم وإن كان من أهل الفضل، وربما ذمّوا من كانوا يمدحونه ومدحوا من سَبق لهم ذمه.
والهيام: هو الحيرة والتردد في المرعى. والوادُ: المنخفض بين عُدوتين. وإنما ترعى الإبل الأودية إذا أقحلت الرُبى، والربى أجود كلأ، فمُثّل حال الشعراء بحال الإبل الراعية في الأودية متحيرة، لأن الشعراء في حرص على القول لاختلاب النفوس.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُون} فليس لهم قاعدة ينطلقون منها، ولا موقع ثابت يقفون عليه، ولا أفق واحد يتطلّعون إليه، فهم يتحركون مع الرياح القادمة من هنا وهناك، أمَّا الرسول، فإنه ينطلق من موقع الحق الذي لا يتغيَّر، مهما تغيرت الرياح، فهو يعمل على أن يصنع الرياح في اتجاه فكره بدلاً من أن يحركه في اتجاه حركة الريح من حوله.