القول في تأويل قوله تعالى : { وَيُنْذِرَ الّذِينَ قَالُواْ اتّخَذَ اللّهُ وَلَداً * مّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لاَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاّ كَذِباً } .
يقول تعالى ذكره : ويحذر أيضا محمد القوم الّذِين قالُوا اتّخَذَ اللّهُ وَلَدا من مشركي قومه وغيرهم ، بأسَ الله وعاجلَ نقمته ، وآجل عذابه ، على قيلهم ذلك ، كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق وَيُنْذِرَ الّذِينَ قالُوا اتّخَذَ اللّهُ وَلَدا يعني قريشا في قولهم : إنما نعبد الملائكة ، وهنّ بنات الله .
وقوله { وينذر الذين قالوا اتخذ الله } الآية ، أهل هذه المقالة هم بعض اليهود في عزير ، والنصارى في المسيح ، وبعض العرب في الملائكة ، والضمير في { به } يحتمل أن يعود على القول الذي يتضمنه { قالوا } المتقدم ، وتكون جملة قوله { ما لهم به من علم } في موضع الحال ، أي قالوا جاهلين ، ويحتمل أن يعود على «الولد » الذي ادعوه ، فتكون الجملة صفة للولد ، قاله المهدوي ، وهو معترض لأنه لا يصفه إلا القائل ، وهم ليس في قصدهم أن يصفوه ، والصواب عندي أنه نفي مؤتنف أخبر الله تعالى بجهلهم في ذلك ، فلا موضع للجملة من الإعراب ، ويحتمل أن يعود على الله عز وجل ، وهذا التأويل أذم لهم وأقضى بالجهل التام عليهم ، وهو قول الطبري{[7742]} .
تعليل آخر لإنزال الكتاب على عبده ، جعل تالياً لقوله : { لينذر بأساً شديداً من لدنه } [ الكهف : 2 ] باعتبار أن المراد هنا إنذار مخصوص مقابل لما بَشر به المؤمنين . وهذا إنذار بجزاء خالدين فيه وهو عذاب الآخرة ، فإن جَرَيْتَ على تخصيص البأس في قوله : { بأساً شديداً } [ الكهف : 2 ] بعذاب الدنيا كما تقدم كان هذا الإنذار مغايراً لما قبله ؛ وإن جريت على شمول البأس للعذابين كانت إعادة فعل { ينذر } تأكيدا ، فكان عطفه باعتبار أن لمفعوله صفة زائدة على معنى مفعول فِعل { ينذر } السابق يُعرف بها الفريق المنذرون بكلا الإنذارين ، وهو يُومىء إلى المنذرَين المحذوف في قوله : { لينذر بأساً شديداً } [ الكهف : 2 ] ويغني عن ذكره . وهذه العلة أثارتها مناسبه ذكر التبشير قبلها ، وقد حذف هنا المنذر به اعتماداً على مقابِلِه المبشر به .
والمراد ب{ الذين قالوا اتخذ الله ولداً } هنا المشركون الذين زعموا أن الملائكة بنات الله ، وليس المراد به النصارى الذين قالوا بأن عيسى ابن الله تعالى ، لأن القرآن المكي ما تعرض للرد على أهل الكتاب مع تأهلهم للدخول في العموم لاتحاد السبب .
والتعبير عنهم بالموصول وصلته لأنهم قد عُرفوا بهذه المقالة بين أقوامهم وبين المسلمين تشنيعاً عليهم بهذه المقالة ، وإيماء إلى أنهم استحقوا ما أنذروا به لأجلها ولغيرها ، فمضمون الصلة من موجبات ما أنذروا به لأن العلل تتعدد .
والولد : اسم لمن يولد من ذكر أو أنثى ، يستوي فيه الواحد والجمع . وتقدم في قوله : { قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه } في سورة يونس ( 68 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.