{ 69 - 104 } { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ }
إلى آخر هذه القصة { وإن ربك لهو العزيز الرحيم }
أي : واتل يا محمد على الناس ، نبأ إبراهيم الخليل ، وخبره الجليل ، في هذه الحالة بخصوصها ، وإلا فله أنباء كثيرة ، ولكن من أعجب أنبائه ، وأفضلها ، هذا النبأ المتضمن لرسالته ، ودعوته قومه ، ومحاجته إياهم ، وإبطاله ما هم عليه ، ولذلك قيده بالظرف فقال : { إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ *
( واتل عليهم نبأ إبراهيم ، إذ قال لأبيه وقومه : ما تعبدون ? ) . .
اتل عليهم نبأ إبراهيم الذي يزعمون أنهم ورثته ، وأنهم يتبعون ديانته . اتله عليهم وهو يستنكر ما كان يعبده أبوه وقومه من أصنام كهذه الأصنام التي يعبدها المشركون في مكة ؛ وهو يخالف أباه وقومه فى شركهم ، وينكر عليهم ما هم عليه من ضلال ، ويسألهم في عجب واستنكار : ( ما تعبدون ? ) .
هذا إخبار من الله تعالى{[21753]} عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ، أمر الله رسوله محمدا ، صلوات الله وسلامه عليه ، أن يتلوه على أمته ، ليقتدوا به في الإخلاص والتوكل ، وعبادة الله وحده لا شريك له ، والتبرؤ من الشرك وأهله ؛ فإن الله تعالى آتى إبراهيم رشده من قبل ، أي : من صغره إلى كبره فإنه من وقت نَشَأ وشَب ، أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله ، عز وجل ،
عقبت قصة موسى مع فرعون وقومه بقصة رسالة إبراهيم . وقدمت هنا على قصة نوح على خلاف المعتاد في ترتيب قصصهم في القرآن لشدة الشبه بين قوم إبراهيم وبين مشركي العرب في عبادة الأصنام التي لا تَسمع ولا تبصر . وفي تمسكهم بضلال آبائهم وأن إبراهيم دعاهم إلى الاستدلال على انحطاط الأصنام عن مرتبة استحقاق العبادة ليكون إيمان الناس مستنداً لدليل الفطرة ، وفي أن قوم إبراهيم لم يسلّط عليهم من عذاب الدنيا مثل ما سلط على قوم نوح وعلى عاد وثمود وقوم لوط وأهل مدين فأشبهوا قريشاً في إمهالهم .
فرسالة محمد وإبراهيم صلى الله عليهما قائمتان على دعامة الفطرة في العقل والعمل ، أي في الاعتقاد والتشريع ، فإن الله ما جعل في خلق الإنسان هذه الفطرة ليضيعها ويهملها بل ليقيمها ويعملها . فلما ضرب الله المثل للمشركين لإبطال زعمهم أنهم لا يؤمنون حتى تأتيهم الآيات كما أوتي موسى ، فإن آيات موسى وهي أكثر آيات الرسل السابقين لم تقض شيئاً في إيمان فرعون وقومه لما كان خلقهم المكابرة والعناد أعقب ذلك بضرب المثل بدعوة إبراهيم المماثلة لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم في النداء على إعمال دليل النظر . وضمير { عليهم } عائد إلى معلوم من السياق كما تقدم في قوله أول السورة { ألا يكونوا مؤمنين } [ الشعراء : 3 ] .
والتلاوة : القراءة . وتقدم في قوله : { ما تتلوا الشياطين } في [ البقرة : 102 ] .
و { نبأ إبراهيم } : قصته المذكورة هنا ، أي اقرأ عليهم ما ينزل عليك الآن من نبأ إبراهيم . وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتلاوته للإشارة إلى أن الكلام المتضمن نبأ إبراهيم هو آية معجزة ، وما تضمنته من دليل العقل على انتفاء إلهية الأصنام التي هي كأصنام العرب آية أيضاً . فحصل من مجموع ذلك آيتان دالّتان على صدق الرسول . وتقدم ذكر إبراهيم عند قوله تعالى : { وإذ ابتلى إبراهيمَ } في [ البقرة : 124 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.