وحين يبلغ السياق إلى هذا الحد من عرض هذه الحقائق والأسرار ، الناطقة بدلائل الإيمان . الميسرة للقلوب والأذهان . يلتفت إلى الحقيقة التي تنتهي إليها هذه الحقائق . حقيقة وجود الله وعظمته وربوبيته . وهي حقيقة تواجه الفطرة مواجهة ذات قوة وسلطان . فيهيب بالرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يحيي هذه الحقيقة ويؤدي حقها ؛ ويلمس القلوب بها في حينها :
القول في تأويل قوله تعالى : { فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ * فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ * وَإِنّهُ لَقَسَمٌ لّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مّكْنُونٍ * لاّ يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فسبح يا محمد بذكر ربك العظيم ، وتسميته .
رتب على ما مضى من الكلام المشتمل على دلائل عظمة القدرة الإِلهية وعلى أمثال لتقريب البعث الذي أنكروا خبره ، وعلى جلائل النعم المدمجة في أثناء ذلك أن أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن ينزهه تنزيهاً خاصاً معقِّباً لما تفيضه عليه تلك الأوصاف الجليلة الماضية من تذكر جديد يكون التنزيه عقبه ضرباً من التذكر في جلال ذاته والتشكر لآلائه فإن للعبادات مواقع تكون هي فيها أكمل منها في دونها ، فيكون لها من الفضل ما يجزل ثوابه فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يخلو عن تسبيح ربه والتفكرِ في عظمة شأنه ولكن لاختلاف التسبيح والتفكر من تجدد ملاحظة النفس ما يجعل لكل حال من التفكر مزايا تكسبه خصائص وتزيده ثواباً .
فالجملة عطف على جملة { قل إن الأولين والآخرين لمجموعون } إلى قوله : { ومتاعاً للمقوين } [ الواقعة : 49 73 ] ، وهي تذييل .
والتسبيح : التنزيه ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ونحن نسبح بحمدك } في سورة البقرة ( 30 ) .
واسم الرب : هو ما يدل على ذاته وجُماع صفاته وهو اسم الجلالة ، أي بأن يقول : سبحان الله ، فالتسبيح لفظ يتعلق بالألفاظ .
ولما كان الكلام موضوعاً للدلالة على ما في النفس كان تسبيح الاسم مقتضياً تنزيه مُسماه وكان أيضاً مقتضياً أن يكون التسبيح باللفظ مع الاعتقاد لا مجرد الاعتقاد لأن التسبيح لما علق بلفظ اسم تعين أنه تسبيح لفظي ، أي قُلْ كلاماً فيه معنى التنزيه ، وعلّقه باسم ربك ، فكل كلام يدل على تنزيه الله مشمول لهذا الأمر ولكن محاكاة لفظ القرآن أولى وأجمع بأن يقول : سُبحان الله . ويؤيد هذا ما قالته عائشة رضي الله عنها إنه لما نزل قوله تعالى : { فسبح بحمد ربك واستغفره } [ النصر : 3 ] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده : « سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن » أي يتأوله على إرادة ألفاظه .
والباء الداخلة على { اسم } زائدة لتوكيد اللصوق ، أي اتصاللِ الفعل بمفعوله وذلك لوقوع الأمر بالتسبيح عقب ذكر عدة أمور تقتضيه حسبما دلت عليه فاء الترتيب فكان حقيقاً بالتقوية والحث عليه ، وهذا بخلاف قوله : { سبح اسم ربك الأعلى } [ الأعلى : 1 ] لوقوعه في صدر جملته كقوله : { يأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلاً } [ الأحزاب : 41 ، 42 ] .
وهذا الأمر شامل للمسلمين بقرينة أن القرآن متلوّ لهم وأن ما تفرع الأمر عليه لا يختص علمه بالنبي صلى الله عليه وسلم فلما أُمر بالتسبيح لأجله فكذلك من عَلمه من المسلمين .
والمعنى : إذ علمتم ما أنزلنا من الدلائل وتذكرتم ما في ذلك من النعم فنزهوا الله وعظّموه بقُصارى ما تستطيعون .
و { العظيم } صَالح لأن يجعل وصفاً ل { ربك } ، وهو عظيم بمعنى ثبوت جميع الكمال له وهذا مجاز شائع ملحق بالحقيقة ؛ وصالح لأن يكون وصفاً ل { اسم } والاسم عظيم عظمة مجازية ليُمْنه ولعظمة المسمّى به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.