نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ} (74)

ولما دل سبحانه{[62220]} في هذه الآيات على عجائب القدرة وغرائب الصنع ، فبدأ بالزرع وختم بالنار والشجر ، وأوجب ما نبه عليه من التذكر لأمرها والتبصر في شأنها أنها{[62221]} من أسباب ما قبلها ، وأنه سبب لها لكونه سبباً لها لإثبات ما هي له ، وكان مجموع ذلك إشارة إلى {[62222]}العناصر الأربعة ، قال ابن برجان : إلاّ أن الماء والأرض لخلق الأركان ، والأخلاق والصفات للهواء والنار ، وكان ذلك من جميع وجوهه أمراً باهراً ، أشار إلى زيادة عظمته بالأمر بالتنزيه مسبباً عما أفاد ذلك ، فقال معرضاً عمن قد يلم به الإنكار مقبلاً على أشرف خلقه إشارة إلى أنه لا يفهم هذا المقام حق فهمه سواه ولا يعمل به حق عمله غيره{[62223]} : { فسبح } أي أوقع التنزيه العظيم عن كل شائبة نقص من ترك البعث وغيره ولا سيما بعد بلوغ هذه الأدلة إلى حد المحسوس تسبيح متعجب من آثار قدرته الدالة على تناهي عظمته وتسبيح شكر له وتعظيم له وإكبار وتنزيه عما يقول الجاحدون وتعجيب منهم مقتدياً بجميع ما في السماوات والأرض ، ومن أعجب ذلك أنه سخر لنا في هذه الدار جهنم ، قال ابن برجان : جعل منها بحرارة الشمس جنات وثمرات وفواكه وزروع{[62224]} ومعايش .

ولما كان تعظيم الاسم أقعد{[62225]} في تعظيم المسمى قال : { باسم } أي متلبساً بذكر اسم { ربك } أي المحسن بعد التربية إليك بهذا البيان الأعظم بما خصك به مما لم يعطه أحداً غيرك ، وأثبتوا ألف الوصل هنا لأنه لم يكثر دوره كثرته في البسملة منها وحذفوه منها لكثرة دورها وهم{[62226]} شأنهم الإيجاز وتقليل الكثير إذا عرف معناه ، وهذا معروف لا يجهل ، وإثبات ما أثبت من أشكاله مما لا يكثر دليل على الحذف منه ، وكذا لا تحذف الألف مع غير الباء في اسم الله ولا مع الباء في غير الجلالة من الأسماء لما تقدم من العلة .

ولما كان المقام للتعظيم قال : { العظيم * } الذي ملأ الأكوان كلها عظمة ، فلا شيء منها إلا وهو مملوء بعظمته تنزهاً عن أن تلحقه شائبة نقص أو يفوته شيء من كمال ، قال القشيري : وهذه الآيات التي عددها سبحانه تمهيد لسلوك طريق الاستدلال وكما في الخبر " تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة " هذه الفكرة التي نبه الله عليها .

ولما كان من العظمة الباهرة{[62227]} ما ظهر في هذه السورة من أفانين الإنعام في الدارين ، وبدأ بنعمة الآخرة لكونها النتيجة ، ثم دل عليها بإنعامه في الدنيا فكان تذكيراً بالنعم لتشكر ، ودلالة على النتيجة لتذكر ، وفي كل حالة تستحضر فلا تكفر ، فوصلت الدلالة إلى حد هو أوضح من المحسوس وأضوأ من المشموس ، وكان مع هذه الأمور الجليلة في مظهر أعجز الخلائق على أن يأتوا بمثله من كل وجه ، أما{[62228]} من جهة الجواب عن {[62229]}تشبههم وتعنتهم فلكونه يطابق ذلك مطابقة لا يمكن أن يكون شيء مثلها{[62230]} ، ويزيد على ذلك بما شاء الله من المعارف من غير أن يدع لبساً ، وأما{[62231]} من جهة المفردات فلكونها النهاية في جلالة الألفاظ ورشاقة الحروف وجمع المعاني ، فيفيد ذلك أنه{[62232]} لا تقوم كلمة أخرى مقام كلمة منه أصلاً ، وأما من جهة التركيب فلكون كل كلمة{[62233]} منها أحق في مواضعها بحيث إنه لو قدم شيء منها أو أخر لاختل المعنى المراد في ذلك السياق بحسب ذلك المقام ، وأما من جهة الترتيب{[62234]} في الجمل والآيات والقصص في المبادئ والغايات فلكونه مثل تركيب الكلمات ، كل جملة منتظمة بما قبلها انتظام الدر{[62235]} اليتيم في العقد المحكم النظيم ، لأنها إما أن تكون علة لما تلته أو دليلاً أو متممة بوجه من الوجوه الفائقة{[62236]} على وجه ممتع الجناب جليل الحجاب لتكون أحلى في فمه ، وأجلى بعد ذوقه في نظمه وسائر علمه ، فكان ثبوت جميع ما أخبر به على وجه لا مغتمر فيه ولا وقفة في اعتقاد حسنه ،


[62220]:- زيد من ظ.
[62221]:-زيد من ظ.
[62222]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[62223]:- زيد في الأصل: قال، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[62224]:- من ظ، وفي الأصل: زرع.
[62225]:- من ظ، وفي الأصل: انفذ.
[62226]:- من ظ، وفي الأصل: هو.
[62227]:- من ظ، وفي الأصل: التي نبه الله عليها.
[62228]:- زيد من ظ.
[62229]:- من ظ، وفي الأصل: على.
[62230]:- من ظ، وفي الأصل: منها.
[62231]:-زيد من ظ.
[62232]:- من ظ، وفي الأصل: أن.
[62233]:- زيد من ظ.
[62234]:- من ظ، وفي الأصل: التركيب.
[62235]:- زيد من ظ.
[62236]:- من ظ، وفي الأصل: الفايتة.