قوله تعالى : { قالوا } مجيبين لها : { نحن أولو قوة } في القتال ، { وأولو بأس شديد } عند الحرب ، قال مقاتل : أرادوا بالقوة كثرة العدد ، وبالبأس الشديد الشجاعة ، وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك ، ثم قالوا : { والأمر إليك } أيتها الملكة في القتال وتركه ، { فانظري } من الرأي ، { ماذا تأمرين } تجدينا لأمرك مطيعين .
{ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي : إن رددت عليه قوله ولم تدخلي في طاعته فإنا أقوياء على القتال ، فكأنهم مالوا إلى هذا الرأي الذي لو تم لكان فيه دمارهم ، ولكنهم أيضا لم يستقروا عليه بل قالوا : { وَالأمْرُ إِلَيْكَ } أي : الرأي ما رأيت لعلمهم بعقلها وحزمها ونصحها لهم { فَانْظُرِي } نظر فكر وتدبر { مَاذَا تَأْمُرِينَ } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا} لها: {نحن أولوا قوة} يعنى عدة كثيرة في الرجال...
{وأولوا بأس شديد} في الحرب، يعني: الشجاعة.
{والأمر إليك} يقول: قد أخبرناك بما عندنا وما نجاوز ما تقولين. {فانظري ماذا تأمرين}، يعني: ماذا تشيرين علينا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"قالُوا نَحْنُ أُولُو قُوّةٍ وأُولُو بأْسٍ شَدِيدٍ" يقول تعالى ذكره: قال الملأ من قوم مَلِكة سبأ، إذ شاورتهم في أمرها وأمر سليمان: نحن ذوو القوّة على القتال، والبأس الشديد في الحرب، "والأمر "أيتها الملكة "إليكِ" في القتال وفي تركه، "فانظري" من الرأي ما ترين، فَمُرِينا نأتمرْ لأمرك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد} أي نحن أولو قوة في أنفسنا وأولو بأس أي حرب وقتال شديد، أي لنا معرفة في ذلك. ومع ما قالوا ذلك وكلوا الأمر إليها حين قالوا {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين}. وهكذا الواجب على وزراء الملوك والرعية أنهم إذا استشاروهم في أمر أن يدلوهم على الأصوب والأحسن إليهم، ثم يكلوا الأمر إليهم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
أرادوا بالقوة: قوّة الأجساد وقوّة الآلات والعدد. وبالبأس: النجدة والبلاء في الحرب {والأمر إِلَيْكِ} أي هو موكول إليك، ونحن مطيعون لك، فمرينا بأمرك نطعك ولا نخالفك كأنهم أشاروا عليها بالقتال. أو أرادوا: نحن من أبناء الحرب لا من أبناء الرأي والمشورة، وأنت ذات الرأي والتدبير، فانظري ماذا ترين: نتبع رأيك.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
فراجعها الملأ بما أقر عينها من قولهم: إنهم {أولوا}، أي قوة بالعدد والعدد، {وأولوا بأس شديد}: أي أصحاب شجاعة ونجدة... {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين}، وذلك من حسن محاورتهم، إذ وكلوا الأمر إليها، وهو دليل على الطاعة المفرطة، أي نحن ذكرنا ما نحن عليه، ومع ذلك فالأمر موكول إليك، كأنهم أشاروا أولاً عليها بالحرب، أو أرادوا: نحن أبناء الحرب لا أبناء الاستشارة، وأنت ذات الرأي والتدبير الحسن.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جواب بأسلوب المحاورة فلذلك فُصل ولم يعطف كما هي طريقة المحاورات. أرادوا من قولهم: نحن، جماعة المملكة الذين هم من أهل الحرب. فهم من أخيار عرفاء القوم عن حال جماعاتهم ومن يفوض أمرهم إليهم. والقوة: حقيقتها ومجازها تقدم عند قوله تعالى: {فخذها بقوة} في سورة الأعراف (145). وأطلقت على وسائل القوة كما تقدم في قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} في سورة الأنفال (60)، أي وسائل القدرة على القتال والغلبة، ومن القوة كثرة القادرين على القتال والعارفين بأساليبه.
والبأسُ: الشدة على العدوّ، قال تعالى: {والصابرين في البأساء والضراء وحينَ البأس} [البقرة: 177] أي في مواقع القتال، وقال: {بأسهم بينهم شديد} [الحشر: 14]. وهذا الجواب تصريح بأنهم مستعدون للحرب للدفاع عن ملكهم وتعريض بأنهم يميلون إلى الدفع بالقوة إن أراد أن يكرههم على الدخول تحت طاعته لأنهم حملوا ما تضمنه كتابه على ما قد يفضي إلى هذا.
ومع إظهار هذا الرأي فوّضوا الأمر إلى الملكة لثقتهم بأصالة رأيها لتنظر ما تأمرهم فيمتثلونه، فحذف مفعول {تأمرين} ومتعلقه لظهورهما من المقام، والتقدير: ما تأمريننا به، أي إن كان رأيك غير الحرب فمُري به نُطعك.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
أجابوها بما يقوي عزمها ويشد أزرها ويطمئن حكمها كشأن حاشية الملوك، ومدبري الأمر معهم قالوا: {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} أجابوا بثلاثة أمور مطمئنة ملقية في نفسها روح الاطمئنان على حكمها وسلطانها. أول هذه الأمور الثلاثة {نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ}، أي أصحاب قوة في استعدادنا من حيث العدد والذخيرة، وكل ما يحتاج إليه الجند القوى المستعد، وثاني هذه الأمور أنهم {أولوا بأس}، أي أهل همة ونجدة وشجاعة لا نفرط في الدفاع أو الجهاد إذا دعا داعيه، وإن بأسنا شديد، لا نتخاذل في حرب. الأمر الثالث: ان القيادة كلها (الأمر إليها)، ولذا قالوا: {والأمر إليك}، أي نحن نتعاون طائعون فالأمر إليك، {فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.