تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ} (68)

ولكن { أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } كأنه ليس أمامكم حساب ولا عقاب ولا ثواب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ} (68)

65

وقل لهم : إن ما جئتهم به وما يعرضون عنه أكبر وأعظم مما يظنون . وإن وراءه ما وراءه مما هم عنه غافلون :

( قل : هو نبأ عظيم . أنتم عنه معرضون ) . .

وإنه لأمر أعظم بكثير من ظاهره القريب . إنه أمر من أمر الله في هذا الوجود كله . وشأن من شؤون هذا الكون بكامله . إنه قدر من قدر الله في نظام هذا الوجود . ليس منفصلاً ولا بعيداً عن شأن السماوات والأرض ، وشأن الماضي السحيق والمستقبل البعيد .

ولقد جاء هذا النبأ العظيم ليتجاوز قريشاً في مكة ، والعرب في الجزيرة ، والجيل الذي عاصر الدعوة في الأرض . ليتجاوز هذا المدى المحدود من المكان والزمان ؛ ويؤثر في مستقبل البشرية كلها في جميع أعصارها وأقطارها ؛ ويكيف مصائرها منذ نزوله إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ولقد نزل في أوانه المقدر له في نظام هذا الكون كله ، ليؤدي دوره هذا في الوقت الذي قدره الله له .

ولقد حول خط سير البشرية إلى الطريق الذي خطته يد القدر بهذا النبأ العظيم . سواء في ذلك من آمن به ومن صدّ عنه . ومن جاهد معه ومن قاومه . في جيله وفي الأجيال التي تلته . ولم يمر بالبشرية في تاريخها كله حادث أو نبأ ترك فيها من الآثار ما تركه هذا النبأ العظيم .

ولقد أنشأ من القيم والتصورات ، وأرسى من القواعد والنظم في هذه الأرض كلها ، وفي أجيال البشرية جميعها ، ما لم يكن العرب يتصورونه ولو في الخيال !

وما كانوا يدركون في ذلك الزمان أن هذا النبأ إنما جاء ليغير وجه الأرض ؛ ويوجه سير التاريخ ؛ ويحقق قدر الله في مصير هذه الحياة ؛ ويؤثر في ضمير البشرية وفي واقعها ؛ ويصل هذا كله بخط سير الوجود كله ، وبالحق الكامن في خلق السماوات والأرض وما بينهما . وأنه ماض كذلك إلى يوم القيامة . يؤدي دوره في توجيه أقدار الناس وأقدار الحياة .

والمسلمون اليوم يقفون من هذا النبأ كما وقف منه العرب أول الأمر . لا يدركون طبيعته وارتباطها بطبيعة الوجود ؛ ولا يتدبرون الحق الكامن فيه ليعلموا أنه طرف من الحق الكامن في بناء الوجود ؛ ولا يستعرضون آثاره في تاريخ البشرية وفي خط سيرها الطويل استعراضاً واقعياً ، يعتمدون فيه على نظرة مستقلة غير مستمدة من أعداء هذا النبأ الذين يهمهم دائماً أن يصغروا من شأنه في تكييف حياة البشر وفي تحديد خط التاريخ . . ومن ثم فإن المسلمين لا يدركون حقيقة دورهم سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل . وأنه دور ماض في هذه الأرض إلى آخر الزمان . .

ولقد كان العرب الأولون يظنون أن الأمر هو أمرهم وأمر محمد بن عبدالله [ صلى الله عليه وسلم ] واختياره من بينهم ، لينزل عليه الذكر . وكانوا يحصرون همهم في هذه الشكلية . فالقرآن يوجه أنظارهم بهذا إلى أن الأمر أعظم من هذا جداً . وأنه أكبر منهم ومن محمد بن عبد الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأن محمداً ليس إلا حاملاً لهذا النبأ ومبلغاً ؛ وأنه لم يبتدعه ابتداعاً ؛ وما كان له أن يعلم ما وراءه لولا تعليم الله إياه ؛ وما كان حاضراً ما دار في الملأ الأعلى منذ البدء إنما أخبره الله :

ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون أن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ} (68)

قوله : ( أنْتُمْ عَنهُ مُعْرِضُونَ ) : يقول : أنتم عنه منصرفون لا تعملون به ، ولا تصدّقون بما فيه من حجج الله وآياته .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ} (68)

فمعنى { أنتُم عنهُ مُعْرِضُونَ } ، أنهم غافلون عن العلم به فقد أُعلموا بالنبأ بمعناه الأول وسيَعلَمون قريباً بالنبأ بمعناه الثاني .

وجيء بالجملة الاسمية في قوله : { أنتُم عنه معرِضُونَ } لإِفادة إثبات إعراضهم وتمكنه منهم ، فأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الأول فظاهر تمكنُه من نفوسهم لأنه طالما أنذرهم بعذاب الآخِرة ووصفه فلم يكترثوا بذلك ولا ارْعَوَوْا عن كفرهم . وأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الثاني ، فتأويلُ تمكنه من نفوسهم عدم استعدادهم للاعتبار بمغزاهُ من تحقق أن ما هم فيه هو وسوسة من الشيطان قصداً للشَّرّ بهم .

ولعل هذه الآية من هذه السورة هي أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر قِصة خلق آدم وسجود الملائكة وإباء إبليس من السجود ، فإن هذه السورة في ترتيب نزول سور القرآن لا يُوجد ذكر قصة آدم في سورة نزلت قبلَها . فذلك وجهُ التوطئة للقصة بأساليب العناية والاهتمام مما خلا غيرُها عن مثله وبأنها نبأ كانوا معرضين عنه . وأيًّا مَّا كان فقوله : { أنتُم عنْهُ مُعرِضُونَ } توبيخ لهم وتحميق .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ} (68)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أنتم} يا كفار مكة.

{عنه معرضون} عن إيمان بالقرآن معرضون.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"أنْتُمْ عَنهُ مُعْرِضُونَ": يقول: أنتم عنه منصرفون لا تعملون به، ولا تصدّقون بما فيه من حجج الله وآياته.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

وقوله:"أنتم عنه معرضون" أي: عنه لاهون، وله تاركون.

زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :

لا تتفكرون فيه فتعلمون صدقي في نبوتي، وأن ما جئت به من الأخبار عن قصص الماضين لم أعلمه إلا بوحي من الله...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ترغيب في النظر والاستدلال ومنع من التقليد؛ لأن هذه المطالب مطالب شريفة عالية، فإن بتقدير أن يكون الإنسان فيها على الحق يفوز بأعظم أبواب السعادة، وبتقدير أن يكون الإنسان فيها على الباطل، وقع في أعظم أبواب الشقاوة.

فكانت هذه المباحث أنباء عظيمة ومطالب عالية بهية، وصريح العقل يوجب على الإنسان أن يأتي فيها بالاحتياط التام وأن لا يكتفي بالمساهلة والمسامحة...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كانوا يدعون أنهم أعظم الناس إقبالاً على الغرائب، وتنقيباً عن الدقائق والجلائل من المناقب، بكتهم بقوله واصفاً له: {أنتم عنه} أي خاصة لا عن غيره والحال أن غيره من المهملات.

ولما كان أكثرهم متهيئاً للإسلام والرجوع عن الكفران لم يقل: مدبرون، ولا

" يعرضون "بل قال: {معرضون} ثابت لكم الإعراض في هذا الحين، وقد كان ينبغي لكم الإقبال عليه خاصة، والإعراض عن كل ما عداه؛ لأن في ذلك السعادة الكاملة، ولو أقبلتم عليه بالتدبر لعلمتم قطعاً صدقي، وأني ما أريد بكم إلا السعادة في الدنيا والآخرة، فبادرتم الإقبال إليّ والقبول لما أقول...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

غافلون عن العلم به فقد أُعلموا بالنبأ بمعناه الأول، وسيَعلَمون قريباً بالنبأ بمعناه الثاني.

وجيء بالجملة الاسمية في قوله: {أنتُم عنه معرِضُونَ} لإِفادة إثبات إعراضهم وتمكنه منهم، فأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الأول فظاهر تمكنُه من نفوسهم؛ لأنه طالما أنذرهم بعذاب الآخِرة ووصفه، فلم يكترثوا بذلك ولا ارْعَوَوْا عن كفرهم. وأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الثاني، فتأويلُ تمكنه من نفوسهم عدم استعدادهم للاعتبار بمغزاهُ من تحقق أن ما هم فيه هو وسوسة من الشيطان قصداً للشَّرّ بهم.

ولعل هذه الآية من هذه السورة هي أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر قِصة خلق آدم وسجود الملائكة وإباء إبليس من السجود، فإن هذه السورة في ترتيب نزول سور القرآن لا يُوجد ذكر قصة آدم في سورة نزلت قبلَها، فذلك وجهُ التوطئة للقصة بأساليب العناية والاهتمام مما خلا غيرُها عن مثله، وبأنها نبأ كانوا معرضين عنه، وأيًّا مَّا كان فقوله: {أنتُم عنْهُ مُعرِضُونَ} توبيخ لهم وتحميق.