التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{أَنتُمۡ عَنۡهُ مُعۡرِضُونَ} (68)

فمعنى { أنتُم عنهُ مُعْرِضُونَ } ، أنهم غافلون عن العلم به فقد أُعلموا بالنبأ بمعناه الأول وسيَعلَمون قريباً بالنبأ بمعناه الثاني .

وجيء بالجملة الاسمية في قوله : { أنتُم عنه معرِضُونَ } لإِفادة إثبات إعراضهم وتمكنه منهم ، فأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الأول فظاهر تمكنُه من نفوسهم لأنه طالما أنذرهم بعذاب الآخِرة ووصفه فلم يكترثوا بذلك ولا ارْعَوَوْا عن كفرهم . وأما إعراضهم عن النبأ بمعناه الثاني ، فتأويلُ تمكنه من نفوسهم عدم استعدادهم للاعتبار بمغزاهُ من تحقق أن ما هم فيه هو وسوسة من الشيطان قصداً للشَّرّ بهم .

ولعل هذه الآية من هذه السورة هي أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر قِصة خلق آدم وسجود الملائكة وإباء إبليس من السجود ، فإن هذه السورة في ترتيب نزول سور القرآن لا يُوجد ذكر قصة آدم في سورة نزلت قبلَها . فذلك وجهُ التوطئة للقصة بأساليب العناية والاهتمام مما خلا غيرُها عن مثله وبأنها نبأ كانوا معرضين عنه . وأيًّا مَّا كان فقوله : { أنتُم عنْهُ مُعرِضُونَ } توبيخ لهم وتحميق .