القول في تأويل قوله تعالى : { احْشُرُواْ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىَ صِرَاطِ الْجَحِيمِ } .
وفي هذا الكلام متروك استغني بدلالة ما ذُكر عما ترك ، وهو : فيقال : احشروا الذين ظلموا ، ومعنى ذلك اجمعوا الذين كفروا بالله في الدنيا وعصوه وأزواجهم وأشياعهم على ما كانوا عليه من الكفر بالله وما كانوا يعبدون من دون الله من الاَلهة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال : ضُرَباءهم .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ يقول : نظراءهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : احْشَرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ يعني : أتباعهم ، ومن أشبههم من الظلمة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، قال : سألت أبا العالية ، عن قول الله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ قال : الذين ظلموا وأشياعهم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية ، أنه قال في هذه الاَية احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال : وأشياعهم .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ : أي وأشياعهم الكفار مع الكفار .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّيّ ، في قوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال : وأشباههم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال : أزواجهم في الأعمال ، وقرأ : وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فَأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشْأمةِ وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ فالسابقون زوج وأصحاب الميمنة زوج ، وأصحاب الشمال زوج ، قال : كلّ من كان من هذا حشره الله معه . وقرأ : وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال : زوّجت على الأعمال ، لكل واحد من هؤلاء زوج ، زوّج الله بعض هؤلاء بعضا زوّج أصحاب اليمين أصحاب اليمين ، وأصحاب الْمشأمة أصحابَ المشأمة ، والسابقين السابقين ، قال : فهذا قوله : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْقال : أزواج الأعمال التي زوّجهن الله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وأزْوَاجَهُمْ قال : أمثالهم .
وقوله : وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فاهْدُوهُمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ يقول تعالى ذكره : احشروا هؤلاء المشركين وآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله ، فوجّهوهم إلى طريق الجحيم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأصنام .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فاهدوهمْ إلى صِراطِ الجَحِيمِ يقول : وجّهوهم ، وقيل : إن الجحيم الباب الرابع من أبواب النار .
وقوله تعالى : { وأزواجهم } معناه وأنواعهم وضرباؤهم ، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس وقتادة ومنه قوله تعالى : { وكنتم أزواجاً ثلاثة }{[1]} [ الواقعة : 7 ] ، وقوله تعالى : { وإذا النفوس زوجت }{[2]} [ التكوير : 7 ] أي نوعت ، وروي أنه يضم عند هذا الأمر كل شكل وصاحبه من الكفرة إلى شكله وصاحبه ومعهم { ما كانوا يعبدون من دون الله } من آدمي رضي بذلك ومن صنم ووثن توبيخاً لهم وإظهاراً لسوء حالهم ، وقال الحسن : المعنى وأزواجهم المشركات من النساء وروي ذلك عن ابن عباس ورجحه الرماني .
وقوله تعالى { فاهدوهم } . معناه قوموهم واجعلوهم على طريق الجحيم ، و { الجحيم } طبقة من طبقات جهنم يقال إنها الرابعة .