نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهۡدُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡجَحِيمِ} (23)

وأشار إلى سفول رتبة معبوداتهم وتسفيه آرائهم بانتحال الأذى بقوله صارفاً الأسلوب من المتكلم ولو بمظهر العظمة إلى أعظم منه : { من دون الله } أي الذي تفرد بنعوت العظمة وصفات الكمال ، والمراد الذين رضوا بعبادتهم لهم ولم ينكروا عليهم ذلك ويأمروهم بتوحيد الله .

ولما كانوا قد سلكوا في الدنيا طريق الشقاء المعنوية استحقوا أن يلزموا في القيامة سلوك طريقه الحسية ، فلذلك سبب عن الأمر بحشرهم قوله تهكماً بهم وتحسيراً لهم : { فاهدوهم } أي دلوهم دلالة لا يرتابون معها ليعرفوا - مع ما هم فيه من الإكراه على سلوكها - مآلهم ، فيكون ذلك أعظم في نكدهم ؛ قال الرازي : وأصل الهداية التقدم ، والعرب تسمي السابق هادياً ، يقال : أقبلت هوادي الخيل أي أعناقها ، والهادية : العصى - لأنها تتقدم ممسكها ، ونظر فلان هدى أمره أي جهته .

ثم أشار إلى طول وقوفهم وسوء مقامهم بقوله بأداة الانتهاء : { إلى صراط الجحيم * } أي طريق النار الشديدة التوقد الواضح الذي لا لبس عندهم بأنه يشترطهم فيؤديهم إليها ، وخص هذا الاسم إعلاماً بشديد توقدها وعظيم تأججها ، وبعد قعرها وضخامة غمرتها ، بتراكم بعضها فوق بعض وقوة اضطرامها ، وعلو شأنها واصطلامها ، وصلابة اضطرابها وتحرقها واشتمالها على داخليها وتضايقها ، وفيه تهكم بهم في كونهم على غير ما كانوا عليه في الدنيا من التناصر والتعاضد .