وقولهم : { إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ } قال ابن عباس : لفي خطئك القديم .
وقال قتادة : أي من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه ، قالوا لوالدهم كلمةً غليظة ، لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ، ولا لنبي الله صلى الله عليه وسلم{[15289]} وكذا قال السدي ، وغيره .
وقولهم : { لفي ضلالك } يريدون في انتكافك وتحيرك{[6832]} ، وليس هو بالضلال الذي هو في العرف ضد الرشاد ، لأن ذلك من الجفاء الذي لا يسوغ لهم مواجهته به ، وقد تأول بعض الناس على ذلك ، ولهذا قال قتادة رحمه الله : قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبي الله عليه السلام ، وقال ابن عباس : المعنى : لفي خطئك .
قال القاضي أبو محمد : وكان حزن يعقوب قد تجدد بقصة بنيامين ، فلذلك يقال له : ذو الحزنين .
الذين قالوا : { تالله إنك لفي ضلالك القديم } هم الحاضرون من أهله ولم يسبق ذكرهم لظهور المراد منهم وليسوا أبناءه لأنهم كانوا سائرين في طريقهم إليه .
والضلال : البُعْد عن الطريق الموصّلة . والظرفية مجاز في قوة الاتّصاف والتلبّس وأنه كتلبس المظروف بالظرف . والمعنى : أنك مستمر على التلبس بتطلب شيء من غير طريقه . أرادوا طمعه في لقاء يوسف عليه السلام . ووصفوا ذلك بالقديم لطول مدّته ، وكانت مدة غيبة يوسف عن أبيه عليهما السلام اثنتين وعشرين سنة . وكان خطابهم إياه بهذا مشتملاً على شيء من الخشونة إذ لم يكن أدب عشيرته منافياً لذلك في عرفهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا}: بنو بنيه: {تالله}: والله، {إنك لفي ضلالك القديم}... يعني في شقاء من حب يوسف وذكره...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده "إنّي لأَجِدَ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ "تالله أيها الرجل، إنك من حبّ يوسف وذكره، لفي خطئك وزللك القديم لا تنساه، ولا تتسلّى عنه...
عن قتادة:... قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... الضلال هو الذهاب عن جهة الصواب فيه، وإنما قالوا لنبي الله "إنك لفي ضلالك القديم "لأنهم قالوا كلمة غليظة لم يجز أن يقولوها لنبي الله، فحق الأمر فيها أنهم قالوها إشفاقا عليه من شدة محبته ليوسف -في قول قتادة- وقال الحسن كان عندهم أن يوسف مات، فكان في لهوجه في تذكره ذاهبا عن الصواب في أمره...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{لفي ضلالك} يريدون في انتكافك وتحيرك، وليس هو بالضلال الذي هو في العرف ضد الرشاد، لأن ذلك من الجفاء الذي لا يسوغ لهم مواجهته به...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فوقع ما ظنه بهم فقالوا: {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ} أي: لا تزال تائها في بحر الحبّ لا تدري ما تقول...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الذين قالوا: {تالله إنك لفي ضلالك القديم} هم الحاضرون من أهله ولم يسبق ذكرهم لظهور المراد منهم وليسوا أبناءه لأنهم كانوا سائرين في طريقهم إليه.
والضلال: البُعْد عن الطريق الموصّلة. والظرفية مجاز في قوة الاتّصاف والتلبّس وأنه كتلبس المظروف بالظرف. والمعنى: أنك مستمر على التلبس بتطلب شيء من غير طريقه. أرادوا طمعه في لقاء يوسف عليه السلام. ووصفوا ذلك بالقديم لطول مدّته، وكانت مدة غيبة يوسف عن أبيه عليهما السلام اثنتين وعشرين سنة. وكان خطابهم إياه بهذا مشتملاً على شيء من الخشونة إذ لم يكن أدب عشيرته منافياً لذلك في عرفهم.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الضمير في {قالوا} يعود إلى الحاضرين، ويظهر أن بعضهم ذهب في العير للقاء عزيز مصر، وبعضهم بقي مع أبيه، أقسموا مؤكدين بأنه ليس فند الشيخوخة، ولكنه حال قديم، وقالوا إنه ضلال قديم لازمك...
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وما كاد من معه من أبنائه يسمعون مقالة أبيهم يعقوب، حتى استغربوها، وتذكروا قولة إخوتهم في شأنه من قبل {إن أبانا لفي ضلال مبين} استغرابا منهم لإفراطه في محبة يوسف والشغف به، فرددوا مثلهم نفس الفكرة والعبارة، {قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم}...
{قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم} وكأنهم قد ملوا حديثه عن يوسف؛ وأعرضوا عن كلامه قائلين له: إلى متى ستظل على ضلالك، وهم لا يعنون الضلال بمعنى الخروج عن المنهج، ولكنهم يعنون الضلال بمعنى الجزئيات التي لا علاقة لها بالتدين من محبة شديدة ليوسف، وتعلق به، والتمني لعودته، وكثرة الحديث عنه، وتوقع لقائه، وهم الذين ظنوا أن يوسف قد مات...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
أمّا الذين كانوا مع يعقوب وهم عادةً أحفاده وأزواج أولاده وغيرهم من الأهل والعشيرة فقد استولى عليهم العجب وخاطبوه بوقاحة مستنكرين: (قالوا تالله إنّك لفي ضلالك القديم) أليس هذا برهاناً واضحاً على ضلالك حيث مضت سنون طويلة على موت يوسف لكنّك لا زلت تزعم أنّه حي، وأخيراً تقول: إنّك تشمّ رائحته من مصر؟! أين مصر وأين الشام وكنعان؟! وهذا دليل على بعدك عن عالم الواقع وانغماسك في الأوهام والخيالات لكنّك قد ضللت منذ مدّة طويلة، ألم تقل لأولادك قبل فترة اذهبوا إلى مصر وتحسّسوا عن أحوال يوسف! يظهر من هذه الآية الشريفة أنّ المقصود ب (الضلال) ليس الانحراف في العقيدة، بل الانحراف في تشخيص حقيقة حال يوسف والقضايا المتعلّقة به، لكن يستفاد من هذه التعابير أنّهم كانوا يتعاملون مع هذا النّبي الكبير والشيخ المتيقّظ الضمير بخشونة وقساوة بالغين بحيث كانوا يقولون له مرّة: (إنّ أبانا في ضلال مبين) وهنا قالوا له: (إنّك لفي ضلالك القديم) لكنّهم كانوا غافلين عن الحقيقة التي كان يتحلّى بها يعقوب وعن صفاء قلبه، ويتصوّرون أنّ قلب يعقوب كقلوبهم القاسية المظلمة وأنّه لا يطّلع على حقائق الأُمور ماضيها ومستقبلها. وتمضي الليالي والأيّام ويعقوب في حالة الانتظار... الانتظار القاسي الذي يستبطن السرور والفرح والهدوء والاطمئنان، إلاّ أنّ المحيطين به كانوا مشغولين عن هذه الأُمور لاعتقادهم بأنّ قضيّة يوسف مختومة وإلى الأبد. وبعد عدّة أيّام من الانتظار والتي لا يعلم إلاّ الله كيف قضاها يعقوب ارتفع صوت المنادي معلناً عن وصول قافلة كنعان من مصر، لكن في هذه المرّة وخلافاً للمرّات السابقة دخل أولاد يعقوب إلى المدينة فرحين مستبشرين، وتوجّهوا مسرعين إلى بيت أبيهم، وقد سبقهم ال (بشير) الذي بشّر يعقوب بحياة يوسف وألقى قميص يوسف على وجهه...