قوله تعالى : { وسبحوه } أي : صلوا له ، { بكرة } يعني : صلاة الصبح ، { وأصيلاً } يعني : صلاة العصر . وقال الكلبي : وأصيلاً صلاة الظهر والعصر والعشاءين . وقال مجاهد : يعني : قولوا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فعبر بالتسبيح عن أخواته . وقيل : المراد من قوله : { ذكراً كثيراً } هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث .
وقوله : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } معطوف على { اذكروا } والتسبيح : التنزيه . مأخوذ من السبح ، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء . فالسبح مسرع فى تنزيه الله وتبرئته من السوء . والبكرة : أول النهار . والأصيل : أخره .
أى : اكثروا - أيها المؤمنون - من ذكر الله - تعالى - فى كل أحوالكم ، ونزهوه - سبحانه - عن كل ما لا يليق به ، فى أول النهار وفى آخره .
وتخصيص الأمر بالتسبيح فى هذين الوقتين ، لبيان فضلهما ، ولمزيد الثواب فيهما ، وهذا لا يمنع أن التسبيح فى غير هذين الوقتين له ثوابه العظيم عند الله - تعالى - .
- وأيضا - خص - سبحانه - التسبيح بالذكر مع دخوله فى عموم الذكر ، للتنبيه على مزيد فضله وشرفه . .
قال صاحب الكشاف : والتسبيح من جملة الذكر . وإنما اختصه - تعالى - من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة ، ليبين فضله على سائر الأذكار ، لأنه معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال .
وقال : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا } فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته .
والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله كثيرة جدا ، وفي هذه الآية الكريمة الحث على الإكثار{[23616]} من ذلك .
وقد صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما{[23617]} ، ومن أحسن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب الأذكار للشيخ محيي الدين النووي ، رحمه الله تعالى{[23618]}
وقوله : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا } أي : عند الصباح والمساء ، كقوله : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [ الروم : 17 ، 18 ] .
وقوله تعالى : { وسبحوه بكرة وأصيلاً } أراد في كل الأوقات مجدد الزمان بطرفي نهاره وليله ، وقال قتادة والطبري وغيره الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذه الآية مدنية فلا تعلق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أولاً صلاتين في طرفي النهار ، والرواية بذلك ضعيفة ، والأصيل من العصر إلى الليل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وسبحوه بكرة وأصيلا} صلوا بالغداة الفجر، والعشي يعني الظهر والعصر.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصَيلاً" يقول: صلوا له غدوة صلاة الصبح، وعشيا صلاة العصر.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جائز أن يكون ذلك ليس على إرادة البكرة والأصيل، ولكن على إرادة كل وقت وكل حال؛ ليس من وقت ولا من حال إلا ولله على عباده شكر وصبر؛ الشكر لنعمائه، والصبر على مصائبه.
{وسبحوه بكرة وأصيلا} البكرة هي ختم الليل وابتداء النهار، والأصيل هو ختم النهار وابتداء الليل؛ فكأنه أمر بالذكر له في ابتداء كل ليل وختمه، وابتداء كل نهار وانقضائه؛ ليتجاوز عنهم، ويعفو ما يكون منهم من الزلات في خلال ذلك.
وقوله تعالى: {وسبحوه بكرة وأصيلا} أي إذا ذكرتموه فينبغي أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء وهو المراد بالتسبيح وقيل المراد منه الصلاة وقيل للصلاة تسبيحه {بكرة وأصيلا} إشارة إلى المداومة وذلك لأن مريد العموم قد يذكر الطرفين ويفهم منهما الوسط كقوله عليه السلام «لو أن أولكم وآخركم» ولم يذكر وسطكم ففهم منه المبالغة في العموم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويربط القرآن بين هذا الذكر وبين الأوقات والأحوال التي يمر بها الإنسان، لتكون الأوقات والأحوال مذكرة بذكر الله ومنبهة إلى الاتصال به حتى لا يغفل القلب ولا ينسى، وفي البكرة والأصيل خاصة ما يستجيش القلوب إلى الاتصال بالله مغير الأحوال، ومبدل الظلال؛ وهو باق لا يتغير ولا يتبدل، ولا يحول ولا يزول. وكل شيء سواه يتغير ويتبدل، ويدركه التحول والزوال.