{ 8 } { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث ، وأن ذلك [ منهم ] موجب كفرهم بالله وآياته ، أمر بما يعصم من الهلكة والشقاء ، وهو الإيمان بالله ورسوله وكتابه{[1115]} وسماه الله نورًا ، فإن النور{[1116]} ضد الظلمة ، وما في الكتاب الذي أنزله الله من الأحكام والشرائع والأخبار ، أنوار يهتدى بها في ظلمات الجهل المدلهمة ، ويمشى بها في حندس الليل البهيم ، وما سوى الاهتداء بكتاب الله ، فهي علوم ضررها أكثر من نفعها ، وشرها أكثر من خيرها ، بل لا خير فيها ولا نفع ، إلا ما وافق ما جاءت به الرسل ، والإيمان بالله ورسوله وكتابه ، يقتضي الجزم التام ، واليقين الصادق بها ، والعمل بمقتضى ذلك التصديق ، من امتثال الأوامر ، واجتناب المناهي{[1117]} { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازيكم بأعمالكم الصالحة والسيئة .
والفاء فى قوله - تعالى - { فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور الذي أَنزَلْنَا . . . } هى الفصيحة ، أى : التى تفصح عن شرط مقدر . والمراد بالنور : القرآن الكريم ، كما قال - تعالى - : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ولكن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا } والمعنى : إذا علمتم ما ذكرناه لكم - أيها المشركون - فاتركوا العناد ، وآمنوا بالله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إيمانا حقا ، وآمنوا - أيضا - بالقرآن الكريم الذى أنزلناه على عبدنا ورسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون هذا القرآن معجزة ناطقة بصدقه - صلى الله عليه وسلم - .
وجملة { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } تذييل قصد به الوعد والوعيد ، أى : والله - تعالى - مطلع إطلاعا تاما على كل تصرفاتكم ، وسيمنحكم الخير إن آمنتم ، وسيلقى بكم فى النار إن بقيتم على كفركم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فآمنوا} يعني صدقوا {بالله} أنه واحد لا شريك له {ورسوله} محمد صلى الله عليه وسلم {والنور} يعني القرآن {الذي أنزلنا} على محمد صلى الله عليه وسلم {والله بما تعملون} من خير أو شر {خبير}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فصدّقوا بالله ورسوله أيها المشركون المكذّبون بالبعث، وبإخباره إياكم أنكم مبعوثون من بعد مماتكم، وأنكم من بعد بلائكم تنشرون من قبوركم،" والنور الذي أنزلنا "يقول: وآمنوا بالنور الذي أنزلنا، وهو هذا القرآن الذي أنزله الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
"وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" يقول تعالى ذكره: والله بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة محيط بها، محصٍ جميعها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم على جميعها...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فآمنوا أنتم بالله ورسوله لئلا ينزل بكم ما نزل بهم من البأس والعقوبة، والله أعلم... وقوله تعالى: {والنور الذي أنزلنا} النور هو القرآن، ويجوز أن يكون سماه نورا لأنه يبصر به حقيقة المذاهب في الطاعة والمعصية والإحسان والإساءة والإيمان والكفر كما يبصر بنور النهار حقيقة الأشياء من جيدها ورديها، كذلك يبصر بهذا منافع الطاعة ومضار المعصية، فسماه نورا من هذا الوجه، والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(النور الذي أنزلنا) يعني القرآن، سماه نورا لما فيه من الأدلة والحجج الموصلة إلى الحق فشبهه بالنور الذي يهتدى به على الطريق...
{والنور الذي أنزلنا} وهو القرآن فإنه يهتدى به في الشبهات كما يهتدى بالنور في الظلمات، وإنما ذكر النور الذي هو القرآن لما أنه مشتمل على الدلالات الظاهرة على البعث...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والمقطع الثالث بقية للمقطع الثاني يحكي تكذيب الذين كفروا بالبعث -وظاهر أن الذين كفروا هم المشركون الذين كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] يواجههم بالدعوة- وفيه توجيه للرسول أن يؤكد لهم أمر البعث توكيدا وثيقا. وتصوير لمشهد القيامة ومصير المكذبين والمصدقين فيه؛ ودعوة لهم إلى الإيمان والطاعة ورد كل شيء لله فيما يقع لهم في الحياة:
"زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا. قل بلى وربي لتبعثن، ثم لتنبؤن بما عملتم. وذلك على الله يسير. فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا. والله بما تعملون خبير..."
ومنذ البدء يسمي مقالة الذين كفروا عن عدم البعث زعما، فيقضي بكذبه من أول لفظ في حكايته. ثم يوجه الرسول [صلى الله عليه وسلم] إلى توكيد أمر البعث بأوثق توكيد، وهو أن يحلف بربه. وليس بعد قسم الرسول بربه توكيد: (قل: بلى وربي لتبعثن).. (ثم لتنبؤن بما عملتم).. فليس شيء منه بمتروك. والله أعلم منهم بعملهم حتى لينبئهم به يوم القيامة! (وذلك على الله يسير).. فهو يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم السر والعلن وهو عليم بذات الصدور. وهو على كل شيء قدير. كما جاء في مطلع السورة تمهيدا لهذا التقرير.