{ يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ } أى يقع هذا اليوم الذى تسألون عنه وهو يوم البعث والحساب والجزاء . . . يوم تحرقون بالنار - أيها الكافرون - ، وتعذبون فيها عذاب أليما .
و " يفتنون " مأخوذ من الفَتْنِ بمعنى الاختبار والامتحان ، يقال : فتَنْتُ الذهب بالنار ، إذا أذبته لتظهر جودته من غيرها . والمراد به هنا : الإحراق بالنار .
وعدى " يفتنون " بعلى ، لتضمنه معنى يعرضون ، أو على بمعنى فى .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغير واحد : { يفتنون } : يعذبون [ قال مجاهد ] {[27408]} : كما يفتن الذهب على النار .
وقال جماعة آخرون كمجاهد أيضا ، وعكرمة ، وإبراهيم النَّخَعِي ، وزيد بن أسلم ، وسفيان الثوري : { يفتنون } : يحرقون .
وقوله : يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ يقول تعالى ذكره : يوم هم على نار جهنم يفتنون .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله يُفْتَنُونَ في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عنى به أنهم يعذّبون بالإحراق بالنار . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ يقول : يعذّبون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَسأَلُونَ أيّانَ يَوْمُ الدّينِ يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ قال : فتنتهم أنهم سألوا عن يوم الدين وهم موقوفون على النار ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ فقالوا حين وقفوا : يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدّينِ ، وقال الله تبارك وتعالى هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : يُفْتَنُونَ قال : كما يفتن الذهب في النار .
حدثني يعقوب ، قال : ثني هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرِمة ، في قوله : يَوْمَ هُمْ عَلى النّارِ يُفْتَنُونَ قال : يعذّبون في النار يحرقون فيها ، ألم تر أن الذهب إذا ألقي في النار قيل فتن .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن حصين ، عن عكرِمة يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ قال : يعذّبون .
حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن مجاهد يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ يقول : يُنْضَجون بالنار .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الحصين ، عن عكرِمة يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ قال : يحرقون .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ يقول : يحرقون .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ قال : يطبخون ، كما يفتن الذهب بالنار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ قال : يحرقون بالنار .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ قال : يحرقون .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أنهم يكذبون . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ يقول : يطبخون ، ويقال أيضا يُفْتَنُونَ يكذّبون كل هذا يقال .
واختلف أهل العربية في وجه نصب اليوم في قوله : يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ فقال بعض نحويي البصرة : نصبت على الوقت والمعنى في أيّانَ يَوْمُ الدّينِ : أي متى يوم الدين ، فقيل لهم : في يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ ، لأن ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب ، وفيه فتنتهم على النار .
وقال بعض نحويي الكوفة : إنما نصبت يَوْمَ هُمْ لأنك أضفته إلى شيئين ، وإذا أضيف اليوم والليلة إلى اسم له فعل ، وارتفعا نصب اليوم ، وإن كان في موضع خفض أو رفع إذا أضيف إلى فَعَل أو يَفْعَلُ أو إذا كان كذلك ، ورفعه في موضع الرفع ، وخفضه في موضع الخفض يجوز : فلو قيل يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ فرفع يومُ ، لكان وجها ، ولم يقرأ به أحد من القرّاء .
وقال آخر منهم : إنها نصب يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ لأنه إضافة غير محضة فنصبّ ، والتأويل رفع ، ولو رفع لجاز لأنك تقول : متى يومك ؟ فتقول : يوم الخميس ، ويوم الجمعة ، والرفع الوجه ، لأنه اسم قابل اسما فهذا الوجه .
وأولى القولين بالصواب في تأويل قوله : يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ قول من قال : يعذّبون بالإحراق ، لأن الفتنة أصلها الاختبار ، وإنما يقال : فتنت الذهب بالنار : إذا طبختها بها لتعرف جودتها ، فكذلك قوله : يَوْمَ هُمْ على النّارِ يُفْتَنُونَ يحرقون بها كما يحرق الذهب بها ، وأما النصب في اليوم فلأنها إضافة غير محضة على ما وصفنا من قول قائل ذلك .
وقوله تعالى : { يوم هم على النار يفتنون } قال الزجاج : نصبوا { يوم } على الظرف من مقدر تقديره : هو كائن { يوم هم على النار } ونحو هذا ، وقال الخليل وسيبويه : نصبه على البناء لما أضيف إلى غير متمكن . قال بعض النحاة : وهو في موضع رفع على البدل من { يوم الدين } . و : { يفتنون } معناه : يحرقون ويعذبون في النار ، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والجميع ، ومنه قيل للحرة : فتين ، كأن الشمس أحرقت حجارتها .
معاطي تهوى إليها الحقو . . . ق يحسبها من وراءها الفتينا{[10589]}
وفتنت الذهب أحرقته ، ولما كان لا يحرق إلا لمعنى الاختبار قيل لكل اختبار فتنة ، واستعملوا : فتن ، بمعنى اختبر ، وعلى هنا موصلة إلى معنى في .
وجملة { يوم هم على النار يفتنون } جواب لسؤالهم جرى على الأسلوب الحكيم من تلقي السائل بغير ما يتطلب إذ هم حين قالوا : أيّان يوم الدين ، أرادوا التهكم والإحالة فتُلقِّي كلامُهم بغير مرادهم لأن في الجواب ما يشفي وقع تهكمهم على طريقة قوله تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيتُ للناس والحج } [ البقرة : 189 ] . والمعنى : يوم الدين يقع يوم تُصْلَوْن النار ويقال لكم : ذوقوا فتنتكم .
وانتصب { يوم هم على النار يفتنون } على الظرفية وهو خبر عن مبتدأ محذوف دل عليه السؤال عنه بقولهم : أيام يوم الدين . والتقدير : يومُ الدين يومَ هم على النار يفتنون .
والفَتْن : التعذيب والتحريق ، أي يوم هم يعذبون على نار جهنم وأصل الفَتْن الاختيار . وشاع إطلاقه على معان منها إذابة الذهب على النار في البُوتَقة لاختيار ما فيه من معدن غيرِ ذهب ، ولا يذاب إلا بحرارة نار شديدة فهو هنا كناية عن الإحراق الشديد .