المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{يَوۡمَ هُمۡ عَلَى ٱلنَّارِ يُفۡتَنُونَ} (13)

وقوله تعالى : { يوم هم على النار يفتنون } قال الزجاج : نصبوا { يوم } على الظرف من مقدر تقديره : هو كائن { يوم هم على النار } ونحو هذا ، وقال الخليل وسيبويه : نصبه على البناء لما أضيف إلى غير متمكن . قال بعض النحاة : وهو في موضع رفع على البدل من { يوم الدين } . و : { يفتنون } معناه : يحرقون ويعذبون في النار ، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والجميع ، ومنه قيل للحرة : فتين ، كأن الشمس أحرقت حجارتها .

ومنه قول كعب بن مالك :

معاطي تهوى إليها الحقو . . . ق يحسبها من وراءها الفتينا{[10589]}

وفتنت الذهب أحرقته ، ولما كان لا يحرق إلا لمعنى الاختبار قيل لكل اختبار فتنة ، واستعملوا : فتن ، بمعنى اختبر ، وعلى هنا موصلة إلى معنى في .


[10589]:هذا البيت من قصيدة قالها كعب بن مالك في غزوة أحد يفتخر، وقبل هذا البيت يقول: وأبقت لنا جلمات الجُرُ بممن نوازي لدن أن برينا وجلمات: من الجلم وهو القطع، ونُوازي: نساوي، وبُرينا أصله بُرئنا بمعنى خُلقنا، أما المعاطن فهي مبارك الإبل على الماء، والحِقّ هو من أولاد الإبل الذي بلغ أن يُركب ويُحمل عليه ويَضرب الناقة، وإن كان صاحب اللسان لم ينص على أن (الحقوق) تكون جمعا له، والفتين من الأرض: الحَرّة التي قد ألبستها كلها حجارة سود كأنها مُحرقة، ويقال للأمة السوداء: مفتونة؛ لأنها كالحرة في السواد كأنها محترقة، وهذا هو موضع الاستشهاد هنا، فالشاعر يشبه الجمال الرابضة في معاطنها بالحجارة السوداء التي حرقتها الشمس بلهيبها. ومثل هذا البيت قول الكميت: ظعائن من بني الحُلاف تأوي إلى خرس نواطق كالفتينا.