{ 20-23 } { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ }
يقول تعالى -داعيًا عباده إلى التفكر والاعتبار- : { وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ }
وذلك شامل لنفس الأرض ، وما فيها ، من جبال وبحار ، وأنهار ، وأشجار ، ونبات تدل المتفكر فيها ، المتأمل لمعانيها ، على عظمة خالقها ، وسعة سلطانه ، وعميم إحسانه ، وإحاطة علمه ، بالظواهر والبواطن .
ثم لفت - سبحانه - الأنظار إلى ما فى الأرض من دلائل على قدرته ووحدانيته فقال : { وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } . أى : وفى الأرض آيات عظيمة وعبر وعظات بليغة ، تدل على وحدانية الله وقدرته ، كصنوف النبات ، والحيوانات ، والمهاد ، والجبال ، والقفار ، والأنهار ، والبحار . وهذه الآيات والعبر لا ينتفع بها إلا الموقنون بأن المستحق للعبادة إنما هو الله - عز وجل - .
وقوله : { وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ } أي : فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة ، مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات ، والمهاد والجبال ، والقفار والأنهار والبحار ، واختلاف ألسنة الناس وألوانهم ، وما جبلوا عليه من الإرادات والقوى ، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والحركات ، والسعادة والشقاوة ، وما في تركيبهم من الحكم في وضع كل عضو من أعضائهم{[27430]} في المحل الذي هو محتاج إليه فيه ؛ ولهذا قال : { وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ * وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَفِي السّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وفي الأرض عِبر وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وفي الأرْضِ آياتٌ للْمُوقِنِينَ قال : يقول : معتبر لمن اعتبر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وفي الأرْضِ آياتٌ للْمُوقِنِينَ إذا سار في أرض الله رأى عِبرا وآيات عظاما .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم قال: {وفي الأرض آيات للموقنين} يعني ما فيها من الجبال والبحار والأشجار والثمار والنبت عاما بعام، ففي هذا كله آيات يعني عبرة للموقنين بالرب تعالى لتعرفوا صنعه، فتوحدوه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وفي الأرض عِبر وعظات لأهل اليقين بحقيقة ما عاينوا ورأوا إذا ساروا فيها...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"وفى الارض آيات" أي دلالات واضحات وحجج نيرات "للموقنين" الذين يتحققون بتوحيد الله، وإنما أضافها إلى الموقنين، لأنهم الذين نظروا فيها وحصل لهم العلم بموجبها، وآيات الأرض جبالها ونباتها ومعادنها وبحارها، ووقوفها بلا عمد لتصرف الخلق عليها...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَفِى الأرض ءايات} تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره...
{لِّلْمُوقِنِينَ} الموحدين الذين سلكوا الطريق السوي البرهاني الموصل إلى المعرفة، فهم نظارون بعيون باصرة وأفهام نافذة، كلما رأوا آية عرفوا وجه تأملها، فازدادوا إيماناً مع إيمانهم، وإيقاناً إلى إيقانهم...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
"وفي الأرض آيات للموقنين " لما ذكر أمر الفريقين، بيّن أن في الأرض علامات تدل على قدرته على البعث والنشور، فمنها عود النبات بعد أن صار هشيما، ومنها أنه قدر الأقوات فيها قواما للحيوانات، ومنها سيرهم في البلدان التي يشاهدون فيها آثار الهلاك النازل بالأمم المكذبة. والموقنون هم العارفون المحققون وحدانية ربهم، وصدق نبوة نبيهم، خصهم بالذكر؛ لأنهم المنتفعون بتلك الآيات وتدبرها...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{للموقنين}: وهم الذين نظروا النظر الصحيح، وأداهم ذلك إلى إيقان ما جاءت به الرسل، فأيقنوا لم يدخلهم ريب...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وفي الأرض} مما فيه أيضاً من الاختلاف بالمعادن الكثيرة المتباينة مع اتحاد أصلها والنبات والحيوان والجماد والبر والبحر وغير ذلك من الأسرار الدالة على الفاعل المختار {آيات} أي دلالات عظيمات هي مع وضوحها بعد التأمل خفيات {للموقنين} الذين صار الإيقان لهم غريزة ثابتة، فهم لذلك يتفطنون لرؤية ما فيها مع ما يلابسهم منها من الأسباب فيشغلهم ولا يرون أكثر أسباب ما فيها من الآيات فأداهم ذلك إلى الإيقان بما نبهت عليه الرسل مما تستقل به العقول من البعث وغيره...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وخصت الآيات ب {الموقنين} لأنهم الذين انتفعوا بدلالتها فأكسبتهم الإيقان بوقوع البعث. وأوثر وصف الموقنين هنا دون الذين أيقنوا لإفادة أنهم عرفوا بالإيقان. وهذا الوصف يقتضي مدحهم بثقوب الفهم، لأن الإيقان لا يكون إلا عن دليل ودلائل هذا الأمر نظرية...