{ 34-37 } { إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ * إِ نْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ * فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }
يخبر تعالى { إِنَّ هَؤُلَاءِ } المكذبين يقولون مستبعدين للبعث والنشور : { إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ } أي : ما هي إلا الحياة الدنيا فلا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار .
وبعد هذا الحديث عن موسى - عليه السلام - وعن قومه ، وعن فرعون وشيعته . . بعد كل ذلك انتقلت السورة ، للحديث عن موقف المشركين من قضية البعث والنشور ، وردت عليهم بما يدل على إمكانة البعث وصحته . وأنه واقع لا محالة ، وبينت سوء عاقبة من ينكر ذلك ، ومن يصر على كفره وجحوده فقال الله - تعالى - : { إِنَّ هؤلاء لَيَقُولُونَ . . . مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } .
واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - : { إِنَّ هؤلاء لَيَقُولُونَ } يعود إلى مشركى مكة ، الذين سبق الحديث عنهم فى قوله - تعالى - : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } الخ .
وذكر - سبحانه - قصة فرعون وقومه فى الوسط ، للاشارة إلى التشابه بين الفريقين فى التكذيب للحق ، وفى الإِصرار على الضلال .
وبعد هذه الجولة في مصرع فرعون وملئه ، ونجاة موسى وقومه ، وابتلائهم بالآيات بعد فتنة فرعون وأخذه . . بعد هذه الجولة يعود إلى موقف المشركين من قضية البعث والنشور ، وشكهم فيها ، وإنكارهم لها . يعود ليربط بين قضية البعث وتصميم الوجود كله وبنائه على الحق والجد ، الذي يقتضي هذا البعث والنشور :
( إن هؤلاء ليقولون : إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين . فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين . أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين . وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين . ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون . إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين . يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون . إلا من رحم الله ، إنه هو العزيز الرحيم ) . .
اعتراض بين جملة { يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون } [ الدخان : 16 ] وجملة { أهم خيرٌ أم قوم تُبّع } [ الدخان : 37 ] فإنه لما هددهم بعذاب الدخان ثم بالبطشة الكبرى وضرب لهم المثل بقوم فرعون أعقب ذلك بالإشارة إلى أن إنكار البعث هو الذي صرفهم عن توقع جزاء السوء على إعراضهم .
وافتتاح الكلام بحرف { إنّ } الذي ليس هو للتأكيد لأن هذا القول إلى المشركين لا تردّد فيه حتى يحتاج إلى التأكيد فتعين كون حرف { إنَّ } لمجرد الاهتمام بالخبر ، وهو إذا وقع مثل هذا الموقع أفاد التسبب وأغنى عَن الفاء . فالمعنى : إنا منتقمون منهم بالبطشة الكبرى لأنهم لا يرتدعون بوعيد الآخرة لإنكارهم الحياة الآخرة فلم ينظروا إلا لما هم عليه في الحياة الدنيا من النعمة والقوة فلذلك قدر الله لهم الجزاء على سوء كفرهم جزاء في الحياة الدنيا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن هؤلاء ليقولون} يعني كفار مكة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل مشركي قريش لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم: إن هؤلاء المشركين من قومك يا محمد لَيَقُولُونَ.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{إن هؤلاء} يعني كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة، والإنذار عن مثل ما حل بهم {ليقولون}
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما ثبت بما مضى أنه سبحانه متصف بالإحياء والإماتة، وكان إنكار ذلك عناداً لا يستطيع أحد يثبت الإله أن ينكره، وكان الإقرار بذلك في بعض وإنكاره في بعض تحكماً ومخالفاً لحاكم العقل وصارم النقل، وكان من الآيات التي أوتوها إحياؤهم بعد إماتتهم حين طلبوا الرؤية فأخذتهم الصاعقة، وحين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وكان ذلك هو البعث بعينه، وكان العرب ينكرونه ويبالغون في إنكارهم له ولا يسألونهم عنه، قال موبخاً لهم مشيراً بالتأكيد إلى أنه لا يكاد يصدق أن أحداً ينكر ذلك لما له من الأدلة:
{إن} وحقرهم بقوله: {هؤلاء} أي الأدنياء الأقلاء الأذلاء {ليقولون} أي بعد قيام الحجة البالغة عليهم مبالغين في الإنكار في نظير تأكيد الإثبات: {إن} أي ما.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
اعتراض بين جملة {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16] وجملة {أهم خيرٌ أم قوم تُبّع} [الدخان: 37] فإنه لما هددهم بعذاب الدخان ثم بالبطشة الكبرى وضرب لهم المثل بقوم فرعون أعقب ذلك بالإشارة إلى أن إنكار البعث هو الذي صرفهم عن توقع جزاء السوء على إعراضهم.
وافتتاح الكلام بحرف {إنّ} الذي ليس هو للتأكيد لأن هذا القول إلى المشركين لا تردّد فيه حتى يحتاج إلى التأكيد فتعين كون حرف {إنَّ} لمجرد الاهتمام بالخبر، وهو إذا وقع مثل هذا الموقع أفاد التسبب وأغنى عَن الفاء. فالمعنى: إنا منتقمون منهم بالبطشة الكبرى لأنهم لا يرتدعون بوعيد الآخرة لإنكارهم الحياة الآخرة فلم ينظروا إلا لما هم عليه في الحياة الدنيا من النعمة والقوة فلذلك قدر الله لهم الجزاء على سوء كفرهم جزاء في الحياة الدنيا.