نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَيَقُولُونَ} (34)

ولما ثبت بما مضى أنه سبحانه متصف بالإحياء والإماتة ، وكان إنكار ذلك عناداً لا يستطيع أحد{[57567]} يثبت الإله أن ينكره ، وكان الإقرار بذلك في بعض وإنكاره {[57568]}في بعض{[57569]} تحكماً ومخالفاً{[57570]} لحاكم العقل وصارم النقل ، وكان من الآيات التي أوتوها إحياؤهم بعد إماتتهم حين طلبوا الرؤية فأخذتهم الصاعقة ، وحين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وكان ذلك هو البعث بعينه ، وكان العرب ينكرونه ويبالغون في إنكارهم له{[57571]} ولا يسألونهم عنه ، قال موبخاً لهم مشيراً بالتأكيد إلى أنه لا يكاد يصدق أن أحداً ينكر ذلك لما له من الأدلة : { إن } وحقرهم بقوله : { هؤلاء } أي الأدنياء الأقلاء الأذلاء { ليقولون * } أي بعد قيام الحجة البالغة عليهم مبالغين في الإنكار في نظير تأكيد الإثبات : { إن } أي ما .

ولما كان قد تقدم قوله تعالى { يحيي ويميت } وهم يعلمون أن المراد به أنه يتكرر منه الإحياء للشخص الواحد ، وكان تعالى قد قال ولا يخاطبهم إلا بما يعرفونه{ وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون }[ البقرة : 28 ] أي بالانتشار{[57567]} بعد الحياة [ و-{[57568]} ]قال{ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين }[ غافر : 11 ] قالوا : ما { هي إلا موتتنا } على حذف مضاف أي ما الحياة إلا حياة موتتنا { الأولى } أي التي كانت قبل نفخ الروح - كما سيأتي في الجاثية { إن [ هي-{[57569]} ] إلا{[57570]} حياتنا الدنيا } و{[57571]}عبروا عنها بالموتة{[6]} إشارة إلى أن الحياة في جنب الموت المؤبد على زعمهم أمر متلاش لا نسبه لها منه ، وساق سبحانه كلامهم على {[7]}هذا الوجه{[8]} إشارة إلى أن الأمور [ إذا قيس-{[9]} ] غائبها على شاهدها ، كان الإحياء بعد الموتة الثانية أولى لكونه بعد حياة من الإحياء بعد [ الموتة-{[10]} ] الأولى ، فحط{[11]} الأمر على{[12]} أن الابتداء{[13]} كان من موت لم يتقدمه حياة ، والقرار{[14]} يكون على حياة لا يعقبها موت .

ولما كان المعنى : وليس وراءها حياة ، أكدوه بما يفهمه {[15]}تصريحاً فقالوا{[16]} برد ما أثبته{[17]} الله على [ لسان-{[18]} ] رسوله صلى الله عليه وسلم : { وما نحن } وأكدوا النفي فقالوا : { بمنشرين * } أي من منشر ما بالبعث بحيث نصير ذوي حركة اختيارية ننتشر بها بعد الموت ، يقال : نشره وأنشره - إذا أحياه .


[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[11]:- ليس في م.
[12]:- ليس في م.
[13]:- في النسخ كلها: لا، وفي البخاري: ما، وقول علي رضي الله عنه نقل من البخاري فأثبتناها.
[14]:- في ظ: فهما، وفي متن البخاري كذلك، وعلى حاشيته: فهم.
[15]:- في ظ ومد: عمرو.
[16]:- من م ومد وظ، وفي الأصل: فابتغوا.
[17]:- من م ومد وظ، وهو الصحيح لما في البخاري: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، وفي الأصل: بكر.
[18]:- زيد في م: عنى.
[57567]:زيد في الأصل: أن، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[57568]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لبعض.
[57569]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: لبعض.
[57570]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: مخالف.
[57571]:زيد من م ومد.