اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَيَقُولُونَ} (34)

قوله : { إِنَّ هؤلاء لَيَقُولُونَ } يعني مشركي مكة ، ليقولون : { هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } بمبعوثين بع موتنا . واعلم أنه رَجَعَ إلى ذكر كفار مكة ؛ لأن الكلام كان فيهم حيث قال : { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ } [ الدخان : 9 ] أي بل هم في شك من البعث والقيامة .

ثم بين كيفية إصرارهم على كفرهم ثم بين أن قوم فرعون كانوا في الإصرار على الكفر مثلهم ، وبين كيف أهلكهم وكيف أنعم على بني إسرائيل ثم رجع إلى كفار مكة وإنكارهم للبعث فقال : { إن هؤلاء ليقولون * إن هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى } .

فإن قيل : القوم كانوا ينكرون الحياة الثانية ، فكان من حقهم أن يقولوا : إن هذي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين .

فالجواب : قال الزمخشري : إنه قيل لهم : إنكم تموتون موتةً يَعْقُبُهَا حياةٌ كما أنكم حال كونكم نطفاً كنتم أمواتاً وقد يعقبها حياة ، كقوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ البقرة : 28 ] فقالوا : { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى } يريدون : مال الموتة التي من شأنها أن تعقبها حياة إلا الموتة الأولى خاصة ، ولا فرق إذن بين هذا الكلام وبين قوله : «إن هِيَ إلاَّ حَيَاتُنا الأُولى »{[50375]} . قال ابن الخطيب : ويمكن وجه آخر وهو أن قوله : { إن هي إلا موتننا الأولى } ، يعنى أنه لا يأتينا من الأحوال الشديدة إلا الموتة الأولى وهذا الكلام ( لا ){[50376]} يدل على أنه لا يأتيهم الحياة الثانية ألبتةَ ، ثم صرحوا بهذا المرموز فقالوا : { وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } . ولا حاجة إلى التكليف الذي ذكره الزمخشري{[50377]} .


[50375]:الكشاف 3/504 و505 بالمعنى وباللفظ من الرازي 27/249.
[50376]:زيادة عن الرازي.
[50377]:انظر الرازي 27/249.