{ الَّذِينَ صَبَرُوا } على عبادة اللّه { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } في ذلك . فصبرهم على عبادة اللّه ، يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك ، والمحاربة العظيمة للشيطان ، الذي يدعوهم إلى الإخلال بشيء من ذلك ، وتوكلهم ، يقتضي شدة اعتمادهم على اللّه ، وحسن ظنهم به ، أن يحقق ما عزموا عليه من الأعمال ويكملها ، ونص على التوكل ، وإن كان داخلا في الصبر ، لأنه يحتاج إليه في كل فعل وترك مأمور به ، ولا يتم إلا به .
ومع هذا فإنه لا يدعهم إلى هذا الإيواء وحده ؛ بل يكشف عما أعده لهم هناك . وإنهم ليفارقون وطنا فلهم في الأرض عنه سعة . ويفارقون بيوتا فلهم في الجنة منها عوض . عوض من نوعها وأعظم منها :
( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها ) .
وهنا يهتف لهم بالعمل والصبر والتوكل على الله :
نعم أجر العاملين ، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون . .
وهي لمسة التثبيت والتشجيع لهذه القلوب ، في موقف القلقلة والخوف والحاجة إلى التثبيت والتشجيع .
{ الَّذِينَ صَبَرُوا } أي : على دينهم ، وهاجروا إلى الله ، ونابذوا الأعداء ، وفارقوا الأهل والأقرباء ، ابتغاء وجه الله ، ورجاء ما عنده وتصديق موعوده .
قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثني أبي ، حدثنا صفوان المؤذِنَ ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا معاوية بن سلام ، عن أخيه زيد بن سلام ، عن جده أبي سلام الأسود ، حدثني أبو معَاتق{[22672]} الأشعري ، أن أبا مالك الأشعري حدثه أن{[22673]} رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه : أن في الجنة غُرَفا يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، أعدَّها الله لِمَنْ أطعم الطعام ، وأطاب الكلام ، وأباح الصيام ، وأقام الصلاة{[22674]} والناس نيام{[22675]} .
[ وقوله ] :{[22676]} { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ، في أحوالهم كلها ، في دينهم ودنياهم .
وقوله : { الذِينَ صَبَرُوا } خبر مبتدأ محذوف اتباعاً للاستعمال والتقدير : هم الذين صبروا . والمراد : صبرهم على إقامة الدين وتحمل أذى المشركين ، وقد علموا أ ، هم لاقوه فتوكلوا على ربّهم ولم يعبأوا بقطيعة قومهم ولا بحرمانهم من أموالهم ثم فارقوا أوطانهم فراراً بدينهم من الفتن .
ومن اللطائف مقابلة غشيان العذاب للكفار من فوقهم ومن تحت أرجلهم بغشيان النعيم للمؤمن من فوقهم بالغرف ومن تحتهم بالأنهار . وتقديم المجرور على متعلّقة من قوله : { وعلى ربهم يتوكلون } للاهتمام . وتقدم
معنى التوكل عند قوله : { فإِذا عزمت فتوكل على الله } في سورة آل عمران [ 159 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.