{ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } قال ابن مسعود وابن عباس : { بما قدم } قبل الموت من عمل صالح وسيئ ، وما أخر : بعد موته من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها . وقال عطية عن ابن عباس : { بما قدم } من المعصية { وأخر } من الطاعة . وقال قتادة : بما قدم من طاعة الله ، وأخر من حق الله فضيعه . وقال مجاهد : بأول عمله وآخره . وقال عطاء : بما قدم في أول عمره وما أخر في آخر عمره . وقال زيد بن أسلم : بما قدم من أمواله لنفسه وما أخر خلفه للورثة .
وقوله - سبحانه - { يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } بيان لما يحدث له يوم القيامة ، أى : يخبر الإِنسان فى هذا اليوم بما قدم من أعمال حسنة . وبما أخر منها فلم يعملها ، مع أنه كان فى إمكانه أن يعملها ، والمقصود بالآية المجازاة على الأعمال لا مجرد الإِخبار .
قال الإِمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أى : يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها ، كما قال - سبحانه - : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } .
وما كان يرغب فيه الإنسان من المضي في الفجور بلا حساب ولا جزاء ، لن يكون يومئذ ، بل سيكون كل ما كسبه محسوبا ، وسيذكر به إن كان نسيه ، ويؤخذ به بعد أن يذكره ويراه حاضرا :
( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) . .
بما قدمه من عمل قبل وفاته ، وبما أخره وراءه من آثار هذا العمل خيرا كان أم شرا . فمن الأعمال ما يخلف وراءه أثارا تضاعف لصاحبها في ختام الحساب !
ثم قال تعالى : { يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } أي : يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها ، أولها وآخرها ، صغيرها وكبيرها ، كما قال تعالى : { وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] وهكذا قال هاهنا : { بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ }
وجملة { يُنَبَّأ الإِنسانُ يومئذٍ بما قدّم وأخَّر } مستأنفة استئنافاً بيانياً أثارهُ قوله : { إلى ربك يومئذٍ المستقر } ، أو بدل اشتمال من مضمون تلك الجملة ، أي إلى الله مصيرهم وفي مصيرهم يُنبأون بما قدموا وما أخروا .
وينبغي أن يكون المراد ب { الإِنسان } الكافر جرياً على سياق الآيات السابقة لأنه المقصود بالكلام وإن كان كل إنسان ينبأ يومئذٍ بما قدم وأخر من أهل الخير ومن أهل الشر قال تعالى : { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء } الآية [ آل عمران : 30 ] . واختلاف مقامات الكلام يمنع من حمل ما يقع فيها من الألفاظ على محمل واحد ، فإن في القرآن فنوناً من التذكير لا تلزم طريقة واحدة . وهذا مما يغفل عن مراعاته بعض المفسرين في حملهم معاني الآيات المتقاربة المغزى على محامل متماثلة .
وتنبئةُ الإِنسان بما قدّم وأخرّ كناية عن مجازاته على ما فعله : إن خيراً فخيرٌ وإن سُوءاً فسوءٌ ، إذ يقال له : هذا جزاء الفعلة الفلانية فيعلم من ذلك فعلَته ويلقَى جزاءها ، فكانَ الإِنباء من لوازم الجزاء قال تعالى : { قل بلى وربي لَتُبْعَثُنّ ثم لَتُنَبَّؤنَّ بما عَمِلتم } [ التغابن : 7 ] ويحصل في ذلك الإِنباء تقريع وفضح لحاله .
والمراد ب { ما قدم } : ما فَعَله وب { ما أخرّ } : ما تركه مما أُمر بفعله أو نهي عن فعله في الحالين فخالف ما كُلف به ومما علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء : « فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.