قد رد - سبحانه - على هذا التطاول من إبليس بقوله : { فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ لعنتي إلى يَوْمِ الدين } .
والفاء فى قوله { فاخرج } لترتيب الأمر بالطرد على ما حدث منه . والضمير فى " منها " يعود إلى السماء ، أو إلى الجنة ، لأنه كان فيهما .
أى : قال - تعالى - لإبليس على سبيل الزجر : ما دمت يا إبليس قد عصيت أمرى ، فاخرج من الجنة ومن كل مكان فيه تكريم لك ، فإنك رجيم ، أى : مطرود من رحمتى . وإن عليك لعنتى وغضبى إلى يوم القيامة ، فإذا ما جاء هذا اليوم ازدادت لعنتى عليك .
هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح :
( قال : فاخرج منها فإنك رجيم . وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ) . .
ولا نملك أن نحدد عائد الضمير في قوله : ( منها )فهل هي الجنة ? أم هل هي رحمة الله . . هذا وذلك جائز . ولا محل للجدل الكثير . فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .
أمر الله تعالى إبليس بالخروج على جهة الدخور له ، فقالت فرقة : أمره بالخروج من الجنة . وقالت فرقة : من السماء . وحكى الثعلبي عن الحسن وأبي العالية أن قوله : { منها } يريد به من الخلقة التي أنت فيها ومن صفات الكرامة التي كانت له ، قال الحسين بن الفضل : ورجعت له أضدادها ، وعلى القول الأول فإنما أمره أمراً يقتضي بعده عن السماء ، ولا خلاف أنه أهبط إلى الأرض . و «الرجيم » : المرجوم بالقول السيىء .
عاقبه الله على ما برز من نفسانيته فخالف ما كان من طريقته فأطرده من الملأ الأعلى ومن الجنة ، وضمير { قَالَ } عائد إلى الله تعالى على طريقة حكاية المقاولات . وفُرّع أمره بالخروج من الجنة بالفاء على ما تقدمه من السؤال والجواب لأن جوابه دل على كون خبث في نفسه بدت آثاره في عمله فلم يصلح لمخالطة أهل الملأ الأعلى . وتقدم تفسير نظير هذه الآية في سورة الحجر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لإبليس:"فاخْرُجْ مِنْها" يعني من الجنة، "فإنّكَ رَجِيمٌ "يقول: فإنك مرجوم بالقوم، مشتوم ملعون... عن قتادة، قوله: "فاخْرُجْ مِنْها فإنّكَ رَجِيمٌ" قال: والرجيم: اللعين.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}: مطرود معذّب.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
مرجوم إن رجعت إليها بمثل الشهب التي ترجم به الشياطين، وأصل الرجيم المرجوم، وهو المرمي بالحجر...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
قال فاخرج من الجنة، ومن الصورة التي كنت فيها، ومن الحالة التي كنتَ عليها، {فإِنَّكَ رَجِيمٌ}: مَرْمِيٌّ باللَّعنِ مني، وبالشُّهب من السماء، وبالرجوم من قلوب الأولياء إنْ تَعَرَّضْتَ لهم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
أمر الله تعالى إبليس بالخروج على جهة الدحور له... ولا خلاف أنه أهبط إلى الأرض.
{منها} من الجنة أو من السماوات والرجيم المرجوم وفيه قولان:
القول الأول: أنه مجاز عن الطرد؛ لأن الظاهر أن من طرد فقد يرمى بالحجارة وهو الرجم فلما كان الرجم من لوازم الطرد، جعل الرجم كناية عن الطرد فإن قالوا الطرد هو اللعن فلو حملنا قوله: {رجيم} على الطرد لكان قوله بعد ذلك: {وإن عليك لعنتي} تكرارا والجواب من وجهين:
الأول: أنا نحمل الرجم على الطرد من الجنة أو من السماوات ونحمل اللعن على الطرد من رحمة الله.
والثاني: أنا نحمل الرجم على الطرد ونحمل قوله: {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} على أن ذلك الطرد يمتد إلى آخر القيامة فيكون هذا فائدة زائدة ولا يكون تكريرا. والقول الثاني: في تفسير الرجيم أن نحمله على الحقيقة وهو كون الشياطين مرجومين بالشهب...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هنا وجب إخراج هذا الموجود الخبيث من صفوف الملأ الأعلى وملائكة العالم العلوي... فهذا المكان مكان الطاهرين والمقرّبين، وليس بمكان المذنبين والعاصين ذوي القلوب المظلمة...