قوله تعالى : { من أي شيء خلقه } استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشيء الذي خلق الإنسان منه ، وهي عبارة تصلح للتحقير والتعظيم والقرينة تبين الغرض ، وهذا نظير قوله : { لأي يوم أجلت ليوم الفصل }{[11626]} [ المرسلات : 13 ] واللفظ المشار إليه ماء الرجل وماء المرأة
وجملة { من أي شيء خلقه } بيان لجملة { قتل الإنسان ما أكفره } ، لأن مفاد هذه الجملة الاستدلال على إبطال إحالتهم البعث وذلك الإِنكار من أكبر أصول كفرهم .
وجيء في هذا الاستدلال بصورة سؤال وجواب للتشويق إلى مضمونه ، ولذلك قرن الاستفهام بالجواب عنه على الطريقة المتقدمة في قوله تعالى : { عم يتساءلون عن النبأ العظيم } [ النبأ : 1 2 ] .
والاستفهام صوري ، وجعل المستفهم عنه تعيين الأمر الذي به خلق الإنسان لأن المقام هنا ليس لإِثبات أن الله خلق الإِنسان ، بل المقام لإِثبات إمكان إعادة الخلق بتنظيره بالخلق الأول على طريقة قوله تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول } [ ق : 15 ] أي كما كان خلق الإنسان أول مرة من نطفة يكون خلقه ثاني مرة من كائن مَّا ، ونظيره قوله تعالى : { فلينظر الإِنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر } في سورة الطارق ( 5 8 ) . والضمير المستتر في قوله : خلقه } عائد إلى لله تعالى المعلوم من فعل الخلق لأن المشركين لم يكونوا ينكرون أن الله خالق الإنسان .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
من أيّ شيء خلق الإنسانَ الكافرَ ربُّه حتي يَتَكَبّرَ. ويتعظّم عن طاعة ربه، والإقرار بتوحيده ثم بين جلّ ثناؤه الذي منه خلقه،...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
فكأنه قال: إن الذي كفر، وقد علم أنه خلق من نطفة، تلك النطفة موات، لا سمع فيها، ولا عقل، ولا شيء من الجوارح، ثم الله تعالى بلطفه وعجيب حكمته، دبر فيها بصرا، يرى بفتحة واحدة وفي أدنى وهلة... وقدر فيها عقلا، يرى به ملكوت السماوات والأرض، وقدر فيها السمع والبصر وغيرهما من الجوارح. أفترى أن من بلغت قدرته هذا يعجز عن إحياء من أماته وعن بعثه بأقل من لحظة؟ أو يكون قوله: {من نطفة خلقه} تعريفا منه أنه خلقه من نطفة، ويكون في ذكره ما ذكرنا من الفوائد.
وقوله تعالى: {فقدره} أي سواه على وجه تكون فيه دلالة ربوبيته وشهادة وحدانيته، أو قدره على ما فيه صلاحه ومنفعته، أو قدره على ما يشاء من القصر والطول والدمامة والملاحة وغير ذلك...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
تعجيبا له، لأنه يعلم أن الله خلقه من نطفة...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
معناه: أفلا يتفكر هذا الكافر من أي شيء خلقه الله تعالى،...
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
أما أول الإنسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا، وقد كان في حيز العدم دهورا، بل لم يكن لعدمه أول، وأي شيء أخس وأقل من المحو والعدم؟ وقد كان كذلك في القدم ثم خلقه الله من أرذل الأشياء، ثم من أقذرها، إذ قد خلقه من تراب، ثم من نطفة ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم جعله عظما، ثم كسا العظم لحما، فقد كان هذا بداية وجوده حيث كان شيئا مذكورا، فما صار شيئا مذكورا إلا وهو على أخس الأوصاف والنعوت إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا، بل خلقه جمادا ميتا لا يسمع ولا يبصر ولا يحس ولا يتحرك ولا ينطق ولا يبطش ولا يدرك ولا يعلم، فبدأ بموته قبل حياته، وبضعفه قبل قوته، وبجهله قبل علمه، وبعماه قبل بصره، وبصممه قبل سمعه، وببكمه قبل نطقه، وبضلالته قبل هداه، وبفقره قبل غناه، وبعجزه قبل قدرته، فهذا معنى قوله: {من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره}. ومعنى قوله: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه} كذلك خلقه أولا...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشيء الذي خلق الإنسان منه، وهي عبارة تصلح للتحقير والتعظيم والقرينة تبين الغرض، وهذا نظير قوله: {لأي يوم أجلت ليوم الفصل} [المرسلات: 13] واللفظ المشار إليه ماء الرجل وماء المرأة...
واعلم أن لكل محدث ثلاث مراتب أوله ووسطه وآخره، وأنه تعالى ذكر هذه المراتب الثلاثة للإنسان: أما المرتبة الأولى: فهي قوله: {من أي شيء خلقه} وهو استفهام وغرضه زيادة التقرير في التحقير...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
أي من أي شيء خلق الله هذا الكافر فيتكبر؟ أي اعجبوا لخلقه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان أكثر انصباب التعجيب منه ناظراً إلى تكذيبه بالساعة لأجل ظهور أدلتها في القرآن جداً ولأنه توالت في هذه السور إقامة الأدلة عليها مما لا مزيد عليه، شرع في إقامة الدليل عليها بآية الأنفس من ابتداء الخلق في أسلوب مبين لخسته وحقارته وأن من ألبسه أثواب الشرف بعد تلك الخسة والحقارة جدير منه بالشكر لا بالكفر، فقال منبهاً له بالسؤال: {من أي شيء}...
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
شروعٌ في بيانِ إفراطِه في الكفرانِ بتفصيلِ ما أفاضَ عليه من مبدأ فطرتِه إلى مُنْتهَى عمرِه من فُنونِ النعمِ الموجبةِ لقضاءِ حقِّها بالشكرِ والطاعةِ مع إخلالِه بذلكَ،...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإلا فعلام يتكبر ويستغني ويعرض؟ وما هو أصله وما هو مبدؤه؟ (من أي شيء خلقه؟).. إنه أصل متواضع زهيد يستمد كل قيمته من فضل الله ونعمته، ومن تقديره وتدبيره...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {من أي شيء خلقه} بيان لجملة {قتل الإنسان ما أكفره}، لأن مفاد هذه الجملة الاستدلال على إبطال إحالتهم البعث وذلك الإِنكار من أكبر أصول كفرهم. وجيء في هذا الاستدلال بصورة سؤال وجواب للتشويق إلى مضمونه، ولذلك قرن الاستفهام بالجواب عنه على الطريقة المتقدمة في قوله تعالى: {عم يتساءلون عن النبأ العظيم} [النبأ: 1 -2]. والاستفهام صوري، وجعل المستفهم عنه تعيين الأمر الذي به خلق الإنسان لأن المقام هنا ليس لإِثبات أن الله...بل المقام لإِثبات إمكان إعادة الخلق بتنظيره بالخلق الأول على طريقة قوله تعالى: {أفعيينا بالخلق الأول} [ق: 15] أي كما كان خلق الإنسان أول مرة من نطفة يكون خلقه ثاني مرة من كائن مَّا، ونظيره قوله تعالى: {فلينظر الإِنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر} في سورة الطارق (5 -8). والضمير المستتر في قوله: خلقه} عائد إلى لله تعالى المعلوم من فعل الخلق لأن المشركين لم يكونوا ينكرون أن الله خالق الإنسان...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ يتعرض البيان القرآني إلى غرور الإنسان الواهي، والذي غالباً ما يوقع صاحبه في هاوية الكفر والجحود السحيقة...