{ 14 - 15 } { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ }
أي : ولو جاءتهم كل آية عظيمة لم يؤمنوا وكابروا { ولو فتحنا عليهم بابا من السماء } فصاروا يعرجون فيه ، ويشاهدونه عيانا بأنفسهم لقالوا من ظلمهم وعنادهم منكرين لهذه الآية : { إنما سكرت أبصارنا }
ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة برسم صورة عجيبة لعناد هؤلاء المكذبين ولجحودهم للحق بعدما تبين فقال : { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } .
وقوله - سبحانه - { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء . . } معطوف على قوله { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ . . } لإِبطال معاذيرهم ، ولبيان أن سبب عدم إيمانهم هو الجحود والعناد ، وليس نقصان الدليل والبرهان على صحة ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم .
قال الإِمام الرازى . وقوله - تعالى - { فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } يقال : ظل فلان نهاره يفعل كذا ، إذا فعله بالنهار ، ولا تقول العرب ظل يظل إلا لكل عمل بالنهار ، كما لا يقولون بات يبيت إلا بالليل ، والمصدر الظلول .
ويعرجون : من العروج ، وهو الذهاب في صعود ، وفعله من باب دخل ، يقال عرج فلان إلى الجبل يعرج إذا صعد ، ومنه المعراج والمعارج أى المصاعد .
وقوله { سكرت } من السَّكْر - بفتح السين المشددة وسكون الكاف - بمعنى السد والحبس والمنع ، يقال سكرت الباب أسْكرُه سَكْراً ، إذا سددته ، والتشديد في { سكرت } للمبالغة ، وهو قراءة الجمهور . وقرأ ابن كثير { سكرت } ، بكسر الكاف بدون تشديد .
وقوله { مسحورون } اسم مفعول من السحر ، بمعنى الخداع والتخييل والصرف عن الشئ إلى غيره .
والمعنى : أن هؤلاء المشركين بلغ بهم الغلو في الكفر والعناد ، أننا لو فتحنا لهم بابا من أبواب السماء ، ومكناهم من الصعود إليه ، فظلوا في ذلك الباب يصعدون ، ويطلعون على ملكوت السموات وما فيها من الملائكة والعجائب لقالوا بعد هذا التمكين والاطلاع - لفرط عنادهم وجحودهم - إنما أبصارنا منعت من الإِبصار ، وما نراه ما هو إلا لون من الخداع والتخييل والصرف عن إدراك الحقائق بسبب سحر محمد صلى الله عليه وسلم لنا وعلى هذا التفسير الذي سار عليه جمهور المفسرين ، يكون الضمير في قوله { فظلوا } يعود إلى هؤلاء المشركين المعاندين
وليس الذي ينقصهم هو توافر دلائل الإيمان ، فهم معاندون ومكابرون ، مهما تأتهم من آية بينة فهم في عنادهم ومكابرتهم سادرون .
وهنا يرسم السياق نموذجا باهرا للمكابرة المرذولة والعناد البغيض :
( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ، لقالوا : إنما سكرت أبصارنا ، بل نحن قوم مسحورون ) .
ويكفي تصورهم يصعدون في السماء من باب يفتح لهم فيها . يصعدون بأجسامهم ، ويرون الباب المفتوح أمامهم ، ويحسون حركة الصعود ويرون دلائلها . .
يخبر تعالى عن قوة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق : أنه لو فتح لهم بابًا من السماء ، فجعلوا يصعدون فيه ، لما صدّقوا بذلك ، بل قالوا : { سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا }
قال مجاهد وابن كثير ، والضحاك : سدت أبصارنا .
وقال قتادة ، عن ابن عباس : أخذت أبصارنا .
وقال العوفي عن ابن عباس : شُبه علينا ، وإنما سحرنا .
وقال ابن زيد : { سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } السكران{[16095]} الذي لا يعقل .
وقوله : { ولو فتحنا عليهم } ، الضمير في { عليهم } عائد على قريش وكفرة العصر المحتوم عليهم . والضمير في قوله : { فظلوا } يحتمل أن يعود عليهم - وهو أبلغ في إصرارهم - وهذا تأويل الحسن : و { يعرجون } معناه : يصعدون .
وقرأ الأعمش وأبو حيوة «يعرِجون » بكسر الراء{[7139]} ، والمعارج الأدراج ، ومنه : المعراج ، ومنه قول كثير : [ الطويل ] .
إلى حسب عود بني المر قبله . . . أبوه له فيه معارج سلم{[7140]}
ويحتمل أن يعود على { الملائكة } [ الحجر : 7 ] لقولهم : { لو ما تأتينا بالملائكة } [ الحجر : 7 ] ، فقال الله تعالى : «ولو رأوا الملائكة يصعدون ويتصرفون في باب مفتوح في السماء ، لما آمنوا » : وهذا تأويل ابن عباس .
عطف على جملة { لا يؤمنون به } [ سورة الحجر : 13 ] وهو كلام جامع لإبطال جميع معاذيرهم من قولهم : { لو ما تأتينا بالملائكة } سورة الحجر ( 7 ) وقولهم ؛ { إنك لمجنون } [ سورة الحجر : 6 ] بأنهم لا يطلبون الدلالة على صدقه ، لأن دلائل الصدق بيّنة ، ولكنهم ينتحلون المعاذير المختلفة .
والكلامُ الجامعُ لإبطال معاذيرهم : أنهم لو فتح الله باباً من السماء حين سألوا آيةً على صدق الرسول ، أي بطلب من الرسول فاتصلوا بعالم القدس والنفوس الملكية ورأوا ذلك رأي العين لاعتذروا بأنها تخيّلات وأنهم سُحِروا فرأوا ما ليس بشيء شيئاً .
ونظيره قوله : { ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } [ سورة الأنعام : 7 ] .
و ( ظلّ ) تدل على الكون في النهار ، أي وكان ذلك في وضح النهار وتبين الأشباح وعدم التردد في المرئي .
والعُروج : الصعود . ويجوز في مضارعه ضمّ الراء وبه القراءة وكسرها ، أي فكانوا يصعدون في ذلك الباب نهاراً .