{ فَآمَنُوا } : فصاروا في موازينه ، لأنه الداعي لهم .
{ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } : بأن صرف اللّه عنهم العذاب بعدما انعقدت أسبابه ، قال تعالى : { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ }
{ وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } : أى : وبعد أن تداركته رحمتنا ، وأخرجناه من بطن الحوت ، ورعيناه برعايتنا ، أرسلناه إلى مائة ألف من الناس أو يزيدون على ذلك فى نظر الناظر إليهم ، فآمنوا جميعا .
قال الإِمام ابن كثير : ولا مانع من أن يكون الذين أرسل إليهم أولا ، أمر بالعودة إليهم بعد خروجه من بطن الحوت ، فصدقوه كلهم ، وآمنوا به ، وحكى البغوى أنه أرسل إلى أة أخرى بعد خروجه من بطن الحوت ، فصدقوه كلهم ، وآمنوا به ، وحكى البغى أنه أرسل إلى أمة أخرى بعد خروجه من الحوت ، كانوا مائة ألف ما أو يزيدون .
هذا ومن العبر التى نأخذها من هذه القصة ، أن رحمة الله - تعالى - قريب من المحسنين ، وأن العبد إذا تاب توبة صادقة نصوحا ، وفى الوقت الذى تقبل فيه التوبة ، قبل الله - تعالى - توبته ، وفرج عنه كربه ، وأن التسبيح يكون سببا فى رفع البلاء .
وبعد هذه الجولة مع قصص بعض الأنبياء ، أمر الله - تعالى - قريب من المحسنين ، وأن العبد إذا تاب توبة صادقة نصوحا ، وفى الوقت الذى تقبل فيه التوبة ، قبل الله - تعالى - توبته ، وفرج عنه كربه ، وأن التسبيح يكون سببا فى رفع البلاء .
وكانوا قد خافوا ما أنذرهم به من العذاب بعد خروجه ، فآمنوا ، واستغفروا ، وطلبوا العفو من الله فسمع لهم ولم ينزل بهم عذاب المكذبين : ( فآمنوا فمتعناهم إلى حين )وكانوا مائة ألف يزيدون ولا ينقصون . وقد آمنوا أجمعين .
وهذه اللمحة بسياقها هنا تبين عاقبة الذين آمنوا ، بجانب ما تبينه القصص السابقة من عاقبة الذين لا يؤمنون . فيختار قوم محمد [ صلى الله عليه وسلم ] إحدى العاقبتين كما يشاءون ! !
وكذلك ينتهي هذا الشوط من السورة بعد تلك الجولة الواسعة على مدار التاريخ من لدن نوح ، مع المنذرين : المؤمنين منهم وغير المؤمنين . .
وقوله : { فَآمَنُوا } أي : فآمن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم يونس ، عليه السلام ، جميعهم .
{ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } أي : إلى وقت آجالهم ، كقوله : { فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [ يونس : 98 ] .
قوله : { فَآمَنُوا } : يقول : فوحدوا الله الذي أرسل إليهم يونس ، وصدّقوا بحقيقة ما جاءهم به يونس من عند الله .
وقوله : { فَمَتّعْناهُمْ } : إلى حِينٍ يقول : فأخرنا عنهم العذاب ، ومتعناهم إلى حين بحياتهم إلى بلوغ آجالهم من الموت . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة فَمَتّعْناهُمْ إلى حِينٍ : الموت .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : فَمَتّعْناهُمْ إلى حِينٍ قال : الموت .
والفاء في { فَآمَنُوا } للتعقيب العرفي لأن يونس لما أرسل إليهم ودعاهم امتنعوا في أول الأمر فأخبرهم بوعيد بهلاكهم بعد أربعين يوماً ثم خافوا فآمنوا كما أشار إليه قوله تعالى : { فلولا كانت قرية ءامنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } [ يونس : 98 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فآمنوا}: فصدقوا بتوحيد الله عز وجل.
{فمتعناهم} في الدنيا، {إلى حين} منتهى آجالهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله: {فَآمَنُوا}: يقول: فوحدوا الله الذي أرسل إليهم يونس، وصدّقوا بحقيقة ما جاءهم به يونس من عند الله.
وقوله: {فَمَتّعْناهُمْ}: إلى حِينٍ يقول: فأخرنا عنهم العذاب، ومتعناهم إلى حين بحياتهم إلى بلوغ آجالهم من الموت.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
كقوله في آية أخرى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} [يونس: 98] أخبر ههنا أنه لم ينفع قوما إيمانهم عند معاينتهم العذاب إلا قوم يونس.
ثم لا يُدرى أنه إنما يقبل إيمان قوم يونس لأنهم آمنوا عند خروج يونس عليه السلام من بين أظهرهم قبل أن يقبل العذاب عليهم؛ لما كانوا يعلمون أن الرسول متى ما خرج من بينهم بعد ما أوعدهم بالعذاب أن العذاب ينزل بهم لا محالة، فآمنوا به قبل أن يعاينوا العذاب، أو أن يكون العذاب قد أقبل عليهم فعاينوه، فعند ذلك آمنوا:
فإن كان الأول فهو بأنهم إنما آمنوا به عند خروجه منهم، فهو مستقيم، قبِل إيمانهم لأنهم لم يؤمنوا عند معاينتهم العذاب، ولكن إنما آمنوا قبل ذلك.
وإن كان الثاني فجائز أن يكون قبِل إيمانهم ونفعهم إيمانهم، وإن عاينوا العذاب، لما عرف جل وعلا، أن إيمانهم كان حقا، وهم صادقون في ذلك محقّقون، لم يكونوا دافعين العذاب عن أنفسهم إلا بالإيمان حقيقة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
مثال لقريش أي أن آمنوا كما جرى لهؤلاء، ومن هنا حسن انتقال القول والمحاورة إليهم بقوله، {فاستفتهم}: فإنما يعود ضميرهم على ما في المعنى من ذكرهم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما تسبب عن إتيانه إليهم انشراح صدره بعد ما كان حصل له من الضيق الذي أوجب له ما تقدم قال: {فآمنوا} أي تجريداً لأنفسهم من الحظوظ النفسانية ولحوقاً بالصفات الملكية.
ولما كان إيمانهم سبب رفع العذاب الذي كان أوجبه لهم كفرهم قال: {فمتعناهم} ونحن على ما نحن عليه من العظمة لم ينقص ذلك من عظمتنا شيئاً ولا زاد فيها.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{فآمنوا}: أي فسار إليهم ودعاهم إلى الله، وأنذرهم عذابه إن لم يرجعوا عن الكفر والغيّ والضلال والفساد والإفساد، فأشفقوا من إنذاره واستكانوا لدعوته وآمنوا معه.
{فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} ببركة الإيمان والعمل الصالح...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه اللمحة بسياقها هنا تبين عاقبة الذين آمنوا، بجانب ما تبينه القصص السابقة من عاقبة الذين لا يؤمنون، فيختار قوم محمد [صلى الله عليه وسلم] إحدى العاقبتين كما يشاءون!!...