تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَـَٔامَنُواْ فَمَتَّعۡنَٰهُمۡ إِلَىٰ حِينٖ} (148)

{ فآمنوا فمتّعناهم إلى حين } : قيل : آمنوا به ، فلم يهلكوا ، ولكن أخّر عنهم العذاب إلى وقت موت حتفهم . كقوله في آية أخرى : { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } [ يونس : 98 ] أخبر ههنا أنه لم ينفع قوما إيمانهم عند معاينتهم العذاب إلا قوم يونس ، وكذلك ذكر عز وجل في آية أخرى أنه لم ينفع الإيمان عند معاينة العذاب حين قال عز وجل في آية أخرى : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } [ غافر : 85 ] .

ثم لا يُدرى أنه إنما يقبل إيمان قوم يونس لأنهم آمنوا عند خروج يونس عليه السلام من بين أظهرهم قبل أن يقبل العذاب عليهم لما كانوا يعلمون أن الرسول متى ما خرج من بينهم بعد ما أوعدهم بالعذاب أن العذاب ينزل بهم ، لا محالة ، فآمنوا به قبل أن يعاينوا العذاب أو أن يكون العذاب قد أقبل عليهم ، فعاينوه ، فعند ذلك آمنوا . فإن كان الأول فهو بأنهم إنما آمنوا به عند خروجه منهم ، فهو مستقيم ، قبِل إيمانهم لأنهم لم يؤمنوا عند معاينتهم العذاب ، ولكن إنما آمنوا قبل ذلك . وإن كان الثاني فجائز أن يكون قبِل إيمانهم ، ونفعهم إيمانهم ، وإن عاينوا العذاب ، لما عرف ، جل ، وعلا ، أن إيمانهم كان حقا ، وهم صادقون في ذلك ، محقّقون ، لم يكونوا دافعين العذاب عن أنفسهم إلا بالإيمان حقيقة ، والله أعلم .