{ 17-20 } { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ }
لما ذكر تعالى عقوبة المكذبين ، ذكر نعيم المتقين ، ليجمع بين الترغيب والترهيب ، فتكون القلوب بين الخوف والرجاء ، فقال : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ } لربهم ، الذين اتقوا سخطه وعذابه ، بفعل أسبابه من امتثال الأوامر واجتناب النواهي .
{ فِي جَنَّاتِ } أي : بساتين ، قد اكتست رياضها من الأشجار الملتفة ، والأنهار المتدفقة ، والقصور المحدقة ، والمنازل المزخرفة ، { وَنَعِيمٍ } [ وهذا ] شامل لنعيم القلب والروح والبدن ،
أما الشوط الثاني فهو مثير للحس ، ولكن بما فيه من رخاء ورغد ، وهتاف بالمتاع لا يقاوم ، وبخاصة بعد مشهد العذاب البئيس :
( إن المتقين في جنات ونعيم . فاكهين بما آتاهم ربهم ، ووقاهم ربهم عذاب الجحيم . كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون . متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين . والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ، ألحقنا بهم ذريتهم ، وما ألتناهم من عملهم من شيء ، كل امرئ بما كسب رهين . وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ، يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم . ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون . وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون . قالوا : إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ؛ فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم . إنا كنا من قبل ندعوه ، إنه هو البر الرحيم ) . .
والمشهد أقرب إلى مشاهد النعيم الحسي ، الذي يخاطب المشاعر في أول العهد ، والذي يجتذب النفوس بلذائذ الحس في صورتها المصفاة . وهو مقابل لذلك العذاب الغليظ التي تواجه به القلوب الجاسية والقلوب اللاهية كذلك :
( إن المتقين في جنات ونعيم . فاكهين بما آتاهم ربهم ، ووقاهم ربهم عذاب الجحيم ) . .
ومجرد الوقاية من عذاب الجحيم الذي عرضت مشاهده في هذه السورة فضل ونعمة . فكيف ومعه ( جنات ونعيم )? وهم يلتذون ما آتاهم ربهم ويتفكهون ?
استئناف بياني بعد أن ذكر حال المكذبين وما يقال لهم ، فمن شأن السامع أن يتساءل عن حال أضدادهم وهم الفريق الذين صدقوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به القرآن وخاصة إذ كان السامعون المؤمنين وعادة القرآن تعقيب الإِنذار بالتبشير وعكسه ، والجملة معترضة بين ما قبلها وجملة { أم يقولون شاعر } [ الطور : 30 ] .
وتأكيد الخبر ب ( إن ) للاهتمام به وتنكير { جنات ونعيم } لتعظيم ، أي في أيَّة جنات وأيّ نعيم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن المتقين} يعني الذين يتقون الشرك {في جنات} يعني البساتين {ونعيم}..
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه" في جنات": يقول في بساتين ونعيم فيها، وذلك في الآخرة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
يحتمل في جنات وفي نعيم، ويحتمل في جنات، فيها نعيم، فتكون الواو بمعنى مع أي في جنات مع نعيم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(إن المتقين) الذين يجتنبون معاصي الله خوفا من عقابه (في جنات) أي بساتين تجنها الأشجار (ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم)
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
المتقون في جنات ونعيم عاجلاً وآجلاً.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
في آيّة جنات وأيّ نعيم، بمعنى الكمال في هذه الصفة. أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين خلقت لهم خاصة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والمتقون هنا: متقو الشرك. لأنهم لا بد من مصيرهم إلى الجنات، وكلما زادت الدرجة في التقوى قوي الحصول في حكم الآية، حتى إن المتقين على الإطلاق هم في حكم الآية قطعاً على الله بحكم خبره الصادق...
والجنة وإن كانت موضع السرور، لكن الناطور قد يكون في البستان الذي هو غاية الطيبة وهو غير متنعم، فقوله {ونعيم} يفيد أنهم فيها يتنعمون، كما يكون المتفرج لا كما يكون الناطور.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إن المتقين} أي الذين صارت التقوى لهم صفة راسخة {في جنات} أي بساتين دائماً في الدنيا حكماً وفي الآخرة. ولما كانت البساتين ربما يشقى داخلها أو صاحبها، نفى هذا بقوله: {ونعيم} أي نعيم في العاجل، يعني بما هم فيه من الأنس، والآجل بالفعل.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ومجرد الوقاية من عذاب الجحيم الذي عرضت مشاهده في هذه السورة فضل ونعمة. فكيف ومعه (جنات ونعيم)؟ وهم يلتذون ما آتاهم ربهم ويتفكهون؟
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
والتعبير ب «المتّقين» بدلا من المؤمنين، لأنّ هذا العنوان يحمل مفهوم الإيمان، كما يحمل مفهوم العمل الصالح أيضاً، خاصّة أنّ «التقوى» تقع مقدّمةً وأساساً للإيمان في بعض المراحل، كما تقول الآية 2 من سورة البقرة (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين) لأنّ الإنسان إذا لم يكن ذا تعهّد وإحساس بالمسؤولية وروح تطلب الحقّ وتبحث عنه وكلّ ذلك مرحلة من مراحل التقوى فإنّه لا يمضي في التحقيق عن دينه وعقيدته ولا يقبل هداية القرآن أبداً...