لأنهم { عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } متجنبون منحرفون ، عن الطريق الموصل إلى الله ، وإلى دار كرامته ، ليس في أيديهم إلا ضلالات وجهالات .
وهكذا كل من خالف الحق ، لا بد أن يكون منحرفا في جميع أموره ، قال تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ }
{ وَإِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة } ككفار قريش ومن لف لفهم { عَنِ الصراط } المستقيم { لَنَاكِبُونَ } أى : لمائلون وخارجون .
يقال : نكب فلان عن الطريق ينكب نكوباً - من باب دخل - إذا عدل عنه . ومال إلى غيره .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد شهدت للرسول صلى الله عليه وسلم بالبراءة من كل تهمة تفوه بها المشركون ، وقطعت معاذيرهم ، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم ، حيث حكت شبهاتهم بأمانة ثم كرت عليها بالإبطال ، وأثبتت أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جاءهم ليدعوهم إلى الصراط المستقيم .
ألا وإنهم - ككل من لا يؤمنون بالآخرة - حائدون عن النهج ضالون عن الطريق : ( وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ) . . فلو كانوا مهتدين لتابعوا بقلوبهم وعقولهم أطوار النشأة التي تحتم الإيمانبالآخرة ، وبالعالم الذي يسمح ببلوغ الكمال الممكن ، وتحقيق العدل المرسوم . فليست الآخرة إلا حلقة من حلقات الناموس الشامل الذي ارتضاه الله لتدبير هذا الوجود .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ عَنِ الصّرَاطِ لَنَاكِبُونَ * وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مّن ضُرّ لّلَجّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } .
يقول تعالى ذكره : الذين لا يصدّقون بالبعث بعد الممات ، وقيام الساعة ، ومجازاة الله عباده في الدار الاَخرة عَنِ الصّراطِ لَناكِبُونَ يقول : عن مَحَجّة الحق وقصد السبيل ، وذلك دين الله الذي ارتضاه لعباده لَعادِلُونَ ، يقال منه : قد نكب فلان عن كذا : إذا عدل عنه ، ونكّب عنه : أي عدل عنه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراسانيّ ، عن ابن عباس ، قوله : عَنِ الصّرَاطِ لَناكِبُونَ قال : لعادلون .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَإنّ الّذِينَ لا يُؤمِنُونَ بالاَخِرَةِ عَنِ الصّراطِ لَناكِبُونَ يقول : عن الحقّ عادلون .
كذلك التوكيد في قوله : { وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط الناكبون } . والتعبير فيه بالموصول وصلته إظهار في مقام الإضمار حيث عدل عن أن يقول : وإنهم عن الصراط لناكبون . والغرض منه ما تنبىء به الصلة من سبب تنكبهم عن الصراط المستقيم أن سببه عدم إيمانهم بالآخرة . وتقدم قوله تعالى : { قال هذا صراطٌ علي مستقيم } في سورة الحجر ( 41 ) .
والتعريف في { الصراط } للجنس ، أي هم ناكبون عن الصراط من حيث هو حيث لم يتطلبوا طريق نجاة فهم ناكبون عن الطريق بله الطريق المستقيم ولذلك لم يكن التعريف في قوله { عن الصراط } للعهد بالصراط المذكور لأن تعريف الجنس أتم في نسبتهم إلى الضلال بقرينة أنهم لا يؤمنون بالآخرة التي هي غاية العامل من عمله فهم إذن ناكبون عن كل صراط موصل إذ لا همة لهم في الوصول .
والناكب : العادل عن شيء ، المعرض عنه ، وفعله كنصر وفرح . وكأنه مشتق من المنكب وهو جانب الكتف لأن العادل عن شيء يولي وجهه عنه بجانبه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.