{ 49 - 51 } { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ }{[541]}
يأمر تعالى عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يخاطب الناس جميعا ، بأنه رسول الله حقا ، مبشرا للمؤمنين بثواب الله ، منذرا للكافرين والظالمين من عقابه ، وقوله : { مُبِينٌ } أي : بين الإنذار ، وهو التخويف مع الإعلام بالمخوف ، وذلك لأنه أقام البراهين الساطعة على صدق ما أنذرهم به .
وبعد هذا العرض لمصارع الغابرين وبيان سنة الله - تعالى - فى المكذبين ، يأمر - سبحانه - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يرشد الناس إلى مصيرهم فيقول : { قُلْ ياأيها الناس إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } .
أى : قل - أيها الرسول الكريم - للناس ، إن وظيفتى أن أنذركم وأخوفكم من عذاب الله ، بدون التباس أو غموض .
وعند هذا الحد من عرض مصارع الغابرين ، وبيان سنة الله في المكذبين . . يلتفت السياق بالخطاب إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لينذر الناس ويبين لهم ما ينتظرهم من مصير :
( قل : يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين . فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ، والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ) . .
ويمحض السياق وظيفة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في هذا المقام للإنذار : ( إنما أنا لكم نذير مبين ) . . لما يقتضيه التكذيب والاستهزاء واستعجال العذاب من إبراز الإنذار . .
يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حين طلب منه الكفار وُقُوعَ العذاب ، واستعجلوه به : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي : إنما أرسلني الله إليكم نذيرًا لكم بين يدي عذاب شديد ، وليس إلي من حسابكم من شيء ، أمركم إلى الله ، إن شاء عجل لكم العذاب ، وإن شاء أخره عنكم ، وإن شاء تاب على من يتوب إليه ، وإن شاء أضل من كتب عليه الشقاوة ، وهو الفعال لما يشاء ويريد ويختار ، [ و ]{[20348]} { لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [ الرعد : 41 ] و { إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ } .
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ يَأَيّهَا النّاسُ إِنّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مّبِينٌ * فَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ مّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * وَالّذِينَ سَعَوْاْ فِيَ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لمشركي قومك الذين يجادلونك في الله بغير علم ، اتباعا منهم لكل شيطان مريد : يا أيها النّاسُ إنّمَا أنا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أنذركم عقاب الله أن ينزل بكم في الدنيا وعذابه في الاَخرة أن تَصْلَوْه مُبِينٌ يقول : أبين لكم إنذاري ذلك وأظهره لتنيبوا من شرككم وتحذروا ما أنذركم من ذلك لا أملك لكم غير ذلك ، فأما تعجيل العقاب وتأخيره الذي تستعجلونني به فإلى الله ، ليس ذلك إليّ ولا أقدر عليه . ثم وصف نذارته وبشارته ، ولم يجر للبشارة ذكر ، ولما ذُكِرت النذارة على عمل عُلم أن البشارة على خلافه ، فقال : والّذِينَ آمَنُوا بالله ورسوله وعَمِلُوا الصّالِحَاتِ منكم أيها الناس ومن غيركم ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يقول : لهم من الله ستر ذنوبهم التي سلفت منهم في الدنيا عليهم في الاَخرة . وَرِزْقٌ كَرِيمٌ يقول : ورزق حسن في الجنة كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قوله : فالّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ قال : الجنة .
المعنى { قل } يا محمد { إنما أنا نذير } عذاب ليس إلي أن أعجل عذاباً ولا أن أؤخره عن وقته{[8408]} .
استئناف بعد المواعظ السالفة والإنذارات ، وافتتاحه ب { قُل } للاهتمام به ، وافتتاح المقول بنداء الناس للفت ألبابهم إلى الكلام . والمخاطَبون هم المشركون .
والغرض من خطابهم إعلامهم بأن تكذيبهم واستهزاءهم لا يَغيظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصدّه عن أداء رسالته ، ففي ذلك قمع لهم إذ كانوا يحسبون أنهم بتكذيبهم واستهزائهم يُملّونه فيترك دعوتهم ، وفيه تثبيت للنبيء وتسلية له فيما يلقاه منهم .
وقصر النبي على صفة النذارة قصر إضافي ، أي لستُ طالباً نكايتكم ولا تزلفاً إليكم فمن آمن فلنفسه ومن عمى فعليها .
والنذير : المحذّر من شرّ يتوقع .
وفي تقديم المجرور المؤذن بالاهتمام بنذارتهم إيماء إلى أنهم مشرفون على شرّ عظيم فهم أحرياء بالنذارة .
والمبين : المفصِح الموضح ، أي مبين للإنذار بما لا إيهام فيه ولا مصانعة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل يا أيها الناس} يعني: كفار مكة {إنما أنا لكم نذير مبين} يعني: بين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي قومك الذين يجادلونك في الله بغير علم، اتباعا منهم لكل شيطان مريد:" يا أيها النّاسُ إنّمَا أنا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ "أنذركم عقاب الله أن ينزل بكم في الدنيا وعذابه في الآخرة أن تَصْلَوْه، "مُبِينٌ "يقول: أبين لكم إنذاري ذلك وأظهره لتنيبوا من شرككم وتحذروا ما أنذركم من ذلك، لا أملك لكم غير ذلك، فأما تعجيل العقاب وتأخيره الذي تستعجلونني به فإلى الله، ليس ذلك إليّ ولا أقدر عليه. ثم وصف نذارته وبشارته، ولم يجر للبشارة ذكر، ولما ذُكِرت النذارة على عمل عُلم أن البشارة على خلافه، فقال: "فالّذِينَ آمَنُوا" بالله ورسوله "وعَمِلُوا الصّالِحَاتِ" منكم أيها الناس ومن غيركم، "لَهُمْ مَغْفِرَةٌ" يقول: لهم من الله ستر ذنوبهم التي سلفت منهم في الدنيا عليهم في الآخرة، "وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" يقول: ورزق حسن في الجنة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قال لنبيه (قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين) أي مخوف من معاصي الله بعقابه، مبين لكم ما يجب عليكم فعله، وما يجب عليكم تجنبه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أشابِهُكُم في الصورة ولكني اُبَاينُكم من حيث السريرة، وأنا لِمحسنِكم بشير، ولِمُسِيئِكُم نذير، وقد أَيَّدت بإقامةِ البراهينِ ما جِئتكم به من وجوهِ الأمر بالطاعة والإحسان.
فالمعنى أنه تعالى أمر رسوله بأن يديم لهم التخويف والإنذار، وأن لا يصده ما يكون منهم من الاستعجال للعذاب على سبيل الهزؤ عن إدامة التخويف والإنذار، وأن يقول لهم إنما بعثت للإنذار، فاستهزاؤكم بذلك لا يمنعني منه.
مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :
وإنما لم يقل بشير ونذير لذكر الفريقين بعده لأن الحديث مسوق إلى المشركين و {يا أيها الناس} نداء لهم وهم الذين قيل فيهم {أفلم يسيروا} ووصفوا بالاستعجال.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: إنما أرسلني الله إليكم نذيرًا لكم بين يدي عذاب شديد، وليس إلي من حسابكم من شيء، أمركم إلى الله، إن شاء عجل لكم العذاب، وإن شاء أخره عنكم، وإن شاء تاب على من يتوب إليه، وإن شاء أضل من كتب عليه الشقاوة، وهو الفعال لما يشاء ويريد ويختار.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان الاستعجال بالأفعال لا يطلب من الرسول، وكان الإخبار باستهزائهم وشدة عماهم ربما أفهم الإذن في الإعراض عنهم أصلاً ورأساً قال سبحانه وتعالى مزيلاً لذلك منبهاً على أن مثله إنما يطلب من المرسل، لا من الرسول: {قل} أي لهم، ولا يصدنك عن دعائهم ما أخبرناك به من عماهم {يا أيها الناس} أي جميعاً من قومي وغيرهم {إنما أنا لكم نذير} أي وبشير، وإنما طواه لأن المقام للتخويف، ويلزم منه الأمن للمنتهى فتأتي البشارة، ولأن النذارة هي المقصود الأعظم من الدعوة، لأنه لا يقدم عليها إلا المؤيدون بروح من الله {مبين} أي لكل ما ينفعكم لتلزموه. ويضركم فتتركوه لا إله، أعجل لكم العذاب.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{مُبِينٌ} أي: بين الإنذار، وهو التخويف مع الإعلام بالمخوف، وذلك لأنه أقام البراهين الساطعة على صدق ما أنذرهم به.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وعند هذا الحد من عرض مصارع الغابرين، وبيان سنة الله في المكذبين.. يلتفت السياق بالخطاب إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لينذر الناس ويبين لهم ما ينتظرهم من مصير:... ويمحض السياق وظيفة الرسول [صلى الله عليه وسلم] في هذا المقام للإنذار: (إنما أنا لكم نذير مبين).. لما يقتضيه التكذيب والاستهزاء واستعجال العذاب من إبراز الإنذار...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{قُل} للاهتمام به، وافتتاح المقول بنداء الناس للفت ألبابهم إلى الكلام. والمخاطَبون هم المشركون...
والغرض من خطابهم إعلامهم بأن تكذيبهم واستهزاءهم لا يَغيظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصدّه عن أداء رسالته، ففي ذلك قمع لهم إذ كانوا يحسبون أنهم بتكذيبهم واستهزائهم يُملّونه فيترك دعوتهم، وفيه تثبيت للنبيء وتسلية له فيما يلقاه منهم. وقصر النبي على صفة النذارة قصر إضافي، أي لستُ طالباً نكايتكم ولا تزلفاً إليكم فمن آمن فلنفسه ومن عمى فعليها...
والإنذار نوع من الرحمة، لأنك تخبر بشر قبل أوانه، ليحذره المنذر، ويحاول أن ينجي نفسه منه، ويبتعد عن أسبابه، فحين أذكرك بالله، وأنه يأخذ أعداءه أخذ عزيز مقتدر، فعليك أن تربأ بنفسك عن هذه النهاية، وأن تنجو من دواعي الهلاك...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{قُلْ} يا محمد، لكل هؤلاء الذين يستعجلونك بالعذاب ويقترحون عليك القيام بالمعجزات الخارقة، لا طلباً للإيمان بل تعجيزاً وتحدّياً، قل لهم، إن ذلك كله ليس داخلاً في قدرتي، ولا في مهمّتي، بل ذلك كله بيد الله، فإن شاء استجاب لكل ما تطلبونه، وإن شاء لم يستجب لأن الأمر إليه، {قُلْ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}... أنذركم عذاب يوم القيامة إذا كفرتم، وأبشّركم بثواب الله في الجنة إذا آمنتم، ولست مسيطراً عليكم في مسألة الإيمان، بل لكم الحرية في اختيار المصير الذي تريدون الوصول إليه...