ثم قال : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } : قال قتادة : هي - والله - الفرقة التي لا اجتماع بعدها ، يعني : إذا رفع هذا إلى عليين ، وخفض هذا إلى أسفل السافلين ، فذاك آخر العهد بينهما ، ولهذا قال : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرّقُونَ * فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ويوم تجيء الساعة التي يحشر فيها الخلق إلى الله يومئذٍ ، يقول في ذلك اليوم يتفرّقون يعني : يتفرّق أهل الإيمان بالله ، وأهل الكفر به فأما أهل الإيمان ، فيؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، وأما أهل الكفر فيؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، فهنالك يميز الله الخبيث من الطيّب . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، في قوله : وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرّقُونَ قال : فرقة والله لا اجتماع بعدها .
أعيد { ويوم تقوم الساعة } لزيادة التهويل الذي تقدم بيانه آنفاً . وكرر { يومئذ لتأكيد حقيقة الظرفية . ولما ذُكر إبلاس المشركين المشعر بتوقعهم السوء والعذاب أعقب بتفصيل أحوال الناس يومئذ مع بيان مغبة إبلاس الفريق الكافرين .
والضمير في { يتفرقون } عائد إلى معلوم من المقام دل عليه ذكر المجرمين فعلم أن فريقاً آخر ضدهم لأن ذكر إبلاس المجرمين يومئذ يفهم أن غيرهم ليسوا كذلك على وجه الإجمال .
والتفرق : انقسام الجمع وتشتت أجزاء الكل . وقد كني به هنا عن التباعد لأن التفرق يلازمه التباعد عرفاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويوم تقوم الساعة} يوم القيامة {يومئذ يتفرقون} بعد الحساب إلى الجنة، وإلى النار، فلا يجتمعون أبدا...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء الساعة التي يحشر فيها الخلق إلى الله "يومئذٍ"، يقول: في ذلك اليوم "يتفرّقون "يعني: يتفرّق أهل الإيمان بالله، وأهل الكفر به؛ فأما أهل الإيمان، فيؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وأما أهل الكفر فيؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، فهنالك يميز الله الخبيث من الطيّب.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
سمى الله تعالى ذلك اليوم يوم الجمع بقوله: {يوم يجمعكم ليوم الجمع} [التغابن: 9 والشورى: 7] وسماه يوم الافتراق في هذه الآية، فهو يوم الجمع في أول ما يبعثون، ويحشرون، ثم يفرق بينهم تفريقا، لا اجتماع بينهم بعده أبدا كقوله: {فريق في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7]... وبعض أهل التأويل يقولون: قوله: {يومئذ يتفرقون} العابد والمعبود والتابع والمتبوع بعدما كانوا مجتمعين في الدنيا، وهو ما ذكر في آية أخرى: {يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض} [العنكبوت: 25] فهذا تفرقهم على قولهم...
ثم بين أمرا آخر يكون في ذلك اليوم وهو الافتراق كما قال تعالى في آية أخرى: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} فكأن هذه الحالة مترتبة على الإبلاس، فكأنه أولا يبلس ثم يميز ويجعل فريق في الجنة وفريق في السعير.
وأعاد قوله: {ويوم تقوم الساعة} لأن قيام الساعة أمر هائل فكرره تأكيدا للتخويف، ومنه اعتاد الخطباء تكرير يوم القيامة في الخطب لتذكير أهواله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانت النفس ربما تشوفت إلى أنه هل يكون بعد إبلاسهم شيء آخر، قال مفيداً له مهولاً بإعادة ما مضى: {ويوم تقوم الساعة} أي ويا له من يوم، ثم زاد في تهويله بقوله: {يومئذ يتفرقون}.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
وفي ذلك اليوم يفترق أهل الخير والشر كما افترقت أعمالهم في الدنيا...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
التفرق: انقسام الجمع وتشتت أجزاء الكل، وقد كني به هنا عن التباعد لأن التفرق يلازمه التباعد عرفاً...
أي: الذين اجتمعوا في الدنيا على الشر وعلى الضلال يتفرقون يوم القيامة، ويصيرون أعداء وخصوما بعد أن كانوا أخلاء، فيمتاز المؤمنون في ناحية والكافرون في ناحية، حتى العصاة من المؤمنين الذين لهم رائحة من الطاعة لا يتركهم المؤمنون، إنما يشفعون لهم ويأخذونهم في صفوفهم...